● مدارس الذكاء الاصطناعي والرياضيات في الجزائر… من تكوين النخب إلى أذرع استراتيجية للدولة: خبراء يشرحون الرهانات
الجزائر – الآن _ مع التسارع الكبير الذي يشهده العالم في مجالات التحول الرقمي والاقتصاد المبني على المعرفة، برزت في الجزائر مشاريع تعليمية ذات بعد استراتيجي، أبرزها المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات.
وقد أصبح يُنظر إلى هاتين المؤسستين كنموذج جديد لتكوين نخبة علمية قادرة على قيادة الاقتصاد الرقمي وتطوير بنية معرفية وطنية تستجيب للرهانات المستقبلية.
● مدارس الذكاء الاصطناعي والرياضيات… من مؤسسات أكاديمية إلى أذرع استراتيجية للدولة
منذ تأسيس المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي عام 2021 بموجب المرسوم الرئاسي 323-21، تجاوز دور هذه المؤسسات طابعها البيداغوجي التقليدي، لتتحول إلى رافد وطني لإعداد كفاءات ستقود مسار الرقمنة والتحول التكنولوجي في البلاد، وتساهم في بناء اقتصاد يقوم على الابتكار والتقنيات المتقدمة.
● بيداري: الاستثمار في العقول خطوة تؤسس لاقتصاد وطني متنوع
وفي هذا السياق، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بيداري أن دفعة 2026، التي تضم 157 طالبًا من المدرستين، ستستفيد من عقود عمل مباشرة فور تخرجها.
وجاء تصريح الوزير خلال افتتاحه، رفقة وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية سيد علي زروقي، “معرض عروض العمل” بالقطب العلمي سيدي عبد الله، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز الصلة بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي وتحويل مخرجات التعليم العالي إلى قوة إنتاجية داخل السوق الوطنية.
● توظيف مباشر للنخبة العلمية… خيار يعزز منظومة الابتكار
وأوضح بيداري أن العقود ستُبرم مع مؤسسات اقتصادية وخدماتية وطنية، في خطوة تُرسّخ بيئة داعمة للابتكار، وتشجع المشاريع الريادية في مجالات الذكاء الاصطناعي والصناعة الذكية والرقمنة، بما ينسجم مع التحولات العالمية المتسارعة في هذه القطاعات.
رغم أن التجارب المقارنة في الدول الصاعدة تشير أن المحافظة على النخب المتخصصة لا تتحقق بمجرد توظيفها مباشرة بعد التخرج، بل تحتاج إلى توفير منظومة متكاملة من الإمكانيات المهنية والمادية التي تضمن لها بيئة عمل جاذبة ومستقرة.
فالمهندس، والطبيب، والباحث، والخبير في مختلف التخصصات لا يختارون البقاء في أوطانهم فقط بدافع الانتماء، بل بناءً على شروط موضوعية تتعلق بفرص التطور، والبحث، والترقية، والدخل المناسب، إضافة إلى ضمانات واضحة للاستقرار المؤسساتي. ومن دون هذه الشروط، تجد الكفاءات نفسها أمام إغراءات الهجرة، ما يحوّل الاستثمار الوطني في تكوينها إلى مكاسب مجانية لدول أخرى.
ويمثّل قرار التوظيف المباشر لخريجي المدارس العليا خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ يعكس بداية مسار جديد تتبنّاه الدولة نحو استرجاع مكانة الكفاءات الوطنية وإعادة الاعتبار للنخب المتخصصة. غير أنّ هذا القرار، مهما كانت أهميته، يبقى مجرد مدخل أولي يحتاج إلى استكماله بحزمة قرارات جريئة أخرى تُعزّز بقاء هذه الطاقات داخل الوطن.
فالمحافظة على النخب لا تتحقق بالتوظيف فقط، بل تتطلّب توفير بيئة مهنية مستقرة، ومسارات ترقية واضحة، وإمكانات مادية وتقنية تليق بمستوى تكوينهم، حتى يشعروا بأنّ مستقبلهم الحقيقي يمكن أن يُبنى هنا في الجزائر، لا خارجها.
● زروقي: الكفاءات الشابة… حجر الأساس لبناء اقتصاد جديد
من جانبه، ثمّن وزير البريد والاتصالات سيد علي زروقي استقطاب “نخبة من الطلبة المتفوقين” إلى المدارس العليا المتخصصة، معتبرًا أن وجود أربع مدارس وطنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتيك، الرياضيات، الأمن السيبراني والنانو تكنولوجي، يمثل إنجازًا غير مسبوق على المستوى القاري، ويضع الجزائر في مسار تنافسي متقدم داخل إفريقيا.
● عدناني: توظيف دفعة 2026 توجه استراتيجي نحو اقتصاد المعرفة
أما الدكتور نزار جلال عدناني، الأستاذ المحاضر بجامعة وهران 2 ومؤسس شريك لحاضنة Makers Lab، فاعتبر في تصريحه لـ“الجزائر الآن” أن هذا القرار يحمل بعدًا استراتيجيًا واضحًا، لأنه يترجم الرؤية الوطنية القائمة على تثمين الكفاءات وربط الجامعة بالمؤسسة، بما يسمح ببناء نخبة علمية قادرة على قيادة قطاع التكنولوجيا ودعم الاقتصاد الرقمي.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ستسهم في استقرار المواهب داخل الوطن، وتحسين منظومة الابتكار، وفتح مسارات مهنية تتماشى مع طموحات الطلبة ورهانات الدولة في تحقيق استقلالية تكنولوجية وتنمية اقتصادية مستدامة.
وأعاد زروقي التأكيد على أن الاستثمار في هذه الفئة من الشباب يعد استثمارًا مباشرًا في مستقبل الاقتصاد الوطني، لأنهم يمثلون النواة التي ستقود مشاريع الاتصالات الحديثة والصناعات الرقمية، مشددًا على ضرورة توفير بيئة مهنية منسجمة تسمح لهم بالاندماج الفعلي في الاقتصاد الجديد.
● بيداري: نحو جامعة الجيل الرابع… تعليم مرتبط بالاقتصاد
وفي إلقاء آخر نظم بقطب سيدي عبد الله لتبادل الخبرات، شدد بيداري على أن الجزائر تتجه نحو نموذج “جامعة الجيل الرابع”، القائمة على الابتكار، الرقمنة، المقاولاتية، والتشبيك مع المحيط الاقتصادي. وأكد أن هذا التوجه بدأ ينعكس فعليًا من خلال السياسات الحكومية الرامية إلى ربط الجامعة بمؤسسات الإنتاج والخدمات.
● المدارس العليا… قاطرة لتقليص الفجوة التكنولوجية
ويجمع المختصون على أن المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات تمثلان منصة حيوية لتسريع التحول الرقمي، وخلق فرص عمل نوعية، وتحفيز الاستثمارات في القطاعات التكنولوجية الواعدة، بما يمكّن الجزائر من تقليص الفجوة التكنولوجية مع الدول المتقدمة والدخول بقوة في عصر الصناعات الذكية والحلول الرقمية المحلية.
● الطلاب والمؤسسات الاقتصادية… رؤية واحدة نحو اقتصاد رقمي قوي
وقد اعتبر الطلبة المشاركون في معرض عروض العمل أن التظاهرة تُعد فرصة للتعرف على متطلبات سوق الشغل، بينما أكد ممثلو المؤسسات الوطنية أن تخصصات الذكاء الاصطناعي والرياضيات أصبحت جزءًا من مختلف القطاعات الصناعية والخدماتية، ما يجعل إدماج خريجي هذه المدارس مكسبًا مهمًا يرفع من تنافسية المؤسسات.
● توطين الابتكار… خطوة نحو اقتصاد وطني متوازن ومستدام
ويأتي هذا الزخم ضمن استراتيجية وطنية تسعى إلى ترسيخ مكانة الجزائر في الاقتصاد الرقمي، ودعم الابتكار المحلي، وتكوين كفاءات قادرة على تقديم حلول وطنية تعزز السيادة التكنولوجية وتفتح آفاقًا اقتصادية واعدة، بالاستناد إلى جيل جديد من النخب العلمية والتقنية.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة