مقال رأي | أبطال في مواجهة اللهب
الجزائرالٱن _ في الوقت الذي كان فيه معظمنا يستعد لقضاء ليلة خميس هادئة، كان هناك من يخوض معركة حقيقية ضد النيران في غابات تيبازة والولايات المجاورة. معركة لم تكن بالسلاح، بل بالتفاني والشجاعة والتضحية.
وعندما أشرقت شمس الجمعة على الجزائر، كان النصر حليف أولئك الأبطال الذين لم يعرفوا النوم تلك الليلة.
ليس سهلاً أن تقف أمام نيران تلتهم كل ما أمامها وأنت تعلم أن وراءك عائلات مذعورة وأطفالاً خائفين ومنازل على وشك الاحتراق.
ليس سهلاً أن تتقدم نحو اللهب بينما الرياح العاتية تدفع النيران بسرعة 90 كلم في الساعة، والدخان يخنق الأنفاس، والحرارة تصهر الجبين. لكن رجال الحماية المدنية فعلوا ذلك، وأكثر من ذلك بكثير.
أكثر من 350 عوناً في تيبازة وحدها، و97 شاحنة إطفاء، وطائرات حلقت في سماء مشتعلة، ومئات الرجال في عشر ولايات مختلفة… جميعهم تركوا الراحة وأهلهم وبيوتهم ليحموا أهل وبيوت غيرهم. هذا هو معنى الواجب الحقيقي، عندما تضع حياتك على كفة الميزان من أجل أن ينام الآخرون آمنين.
وما يدعو للفخر حقاً ليس فقط شجاعة هؤلاء الرجال، بل ذلك التنسيق المثالي والانسجام التام بين مختلف الأسلاك. الجيش الوطني الشعبي بطائراته وعناصره، مصالح الأمن والدرك الوطني في عمليات الإجلاء وتأمين المحيط، محافظة الغابات، الجماعات المحلية، الهلال الأحمر الجزائري، وزارات الصحة والتضامن… الجميع اصطف في خندق واحد. لم تكن هناك بيروقراطية ولا تلكؤ ولا تردد، بل استجابة سريعة وعمل دؤوب امتد لساعات طويلة دون كلل أو ملل.
حتى الولايات المجاورة لم تتردد في مد يد العون. البليدة أرسلت 55 عوناً إضافياً و12 شاحنة إطفاء لدعم إخوانهم في تيبازة، وتم تجنيد ثماني خلايا جوارية للتضامن من ولايات مختلفة.
هذا هو معنى الوطن الواحد، عندما يهب الجميع لنجدة إخوانهم دون حساب أو انتظار مقابل.
ولا ننسى أولئك الذين عملوا بصمت بعيداً عن الأضواء، الأطباء والممرضون الذين تكفلوا بـ91 حالة اختناق وجروح، الأخصائيون النفسيون الذين قدموا الدعم للمتضررين خاصة الأطفال وكبار السن، عناصر الهلال الأحمر الذين أجلوا 38 عائلة في مسلمون وحدها ووفروا لهم المأوى والطعام، فرق التضامن التي وزعت المساعدات والأفرشة في قلب الليل، والفنيون الذين عملوا على إعادة الكهرباء والغاز بعد تضرر الشبكة.
لقد رأينا في تلك الليلة العصيبة أفضل ما في الإنسان الجزائري، التضحية، التضامن، الشجاعة، والإخلاص للواجب.
رأينا منظومة وطنية متكاملة تعمل بكفاءة عالية رغم صعوبة الظروف.
رأينا قيادة حاضرة عندما تنقل الوزير الأول شخصياً إلى مواقع الحرائق ليشرف على عمليات الإطفاء، ورأينا والياً يتابع إجلاء العائلات بنفسه في قلب الليل.
والنتيجة؟ لا ضحايا بشرية رغم ضراوة النيران. 29 حريقاً في عشر ولايات، تم إخماد 20 منها بحلول صباح الجمعة، والسيطرة التامة على الوضع رغم أن الرياح والطبيعة كانت ضد الجميع.
هذا إنجاز يستحق أن نفخر به، وشهادة على احترافية عالية وتدريب متقدم وإمكانيات حديثة.
اليوم، بينما نشرب قهوتنا في أمان ونتصفح هواتفنا بسلام، يستحق هؤلاء الأبطال منا أكثر من مجرد كلمة شكر.
يستحقون اعترافاً حقيقياً بتضحياتهم، واحتراماً عميقاً لمهنتهم، ودعماً دائماً لمؤسساتهم. لأنهم ببساطة، عندما يركض الناس هرباً من الخطر، هم يركضون نحوه. وهذا يصنع الفارق بين الإنسان العادي والبطل.
تحية إجلال وإكبار لكل من شارك في إخماد حرائق تيبازة وباقي الولايات. أنتم فخر الجزائر وأنتم درعها الحصين.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة