قراءة اقتصادية لمشروع قانون المالية 2026
البعد الاجتماعي يتصدر أولويات الدولة في ظل إصلاحات هيكلية
الجزائرالٱن _ في قراءة معمقة لمشروع قانون المالية 2026، أكد الدكتور رضا بن شريف، أستاذ الاقتصاد ومدير مخبر السياسات الاقتصادية والتنمية المستدامة، أن النص التشريعي الجديد يمثل “توازنًا استراتيجيًا” بين الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة ومواصلة مسار الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية.
الطابع الاجتماعي: خيار استراتيجي لا تراجع عنه
وفي تصريحات خاصة لـ”الجزائر الآن”، شدد البروفيسور بن شريف على أن “أبرز ما يميز مشروع قانون المالية 2026 هو التمسك القوي بالبعد الاجتماعي، وهو ما يعكس وعي الدولة بالأولويات الحقيقية للمواطن الجزائري في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية”.
وأضاف الخبير الاقتصادي: “تخصيص ما يقارب 6000 مليار دينار كنفقات تحويل يعد مؤشرًا قويًا على أن الدولة لم تتخلَّ عن دورها الاجتماعي رغم التوجه نحو ترشيد النفقات”.
وأوضح أن هذا المبلغ يشمل 420 مليار دينار لمنحة البطالة، و424 مليار دينار لدعم صندوق المعاشات ، إضافة إلى 656 مليار دينار لدعم أسعار المواد الأساسية كالقمح.
وأشار بن شريف إلى أن “هذه الأرقام ليست مجرد أرقام محاسبية، بل هي ترجمة فعلية لسياسة تضع المواطن في صلب اهتماماتها، خاصة الفئات الهشة والطبقة المتوسطة التي تعاني من ضغوط غلاء المعيشة”.
دعم المؤسسات الخدماتية استثمار في الإنسان
ولم يفوت الأكاديمي الإشارة إلى أن النفقات الموجهة للمؤسسات الإدارية العمومية، كالجامعات والمستشفيات، بلغت 2800 مليار دينار، معتبرًا أن “هذا التخصيص يعكس رؤية استراتيجية تعتبر التعليم والصحة استثمارًا في رأس المال البشري، وليس مجرد نفقات استهلاكية”.
وأضاف: “في الوقت الذي تتجه فيه بعض الدول إلى خصخصة قطاعات التعليم والصحة، تواصل الجزائر دعم هذه القطاعات الحيوية، وهو ما يجب أن يُثمّن كخيار سيادي يحمي الحق في التعليم والصحة للجميع”.
تخفيف الضريبة على الدخل دعم غير مباشر للأسر
واعتبر الدكتور بن شريف أن تخفيف الضريبة على الدخل الإجمالي يمثل “شكلًا ذكيًا من أشكال الدعم غير المباشر للأسر الجزائرية”، مؤكدًا أن “هذا الإجراء سيعزز القدرة الشرائية للمواطنين دون إثقال كاهل الخزينة العمومية بدعم مباشر قد يكون أقل كفاءة”.
وأوضح أن هذا التدبير يأتي في سياق “سياسة تحفيزية تهدف إلى تحريك الاقتصاد من خلال تنشيط الاستهلاك المحلي، مع الحفاظ على العدالة الضريبية”.
دعم السكن وبرنامج “عدل” .. بعد اجتماعي بامتياز
وفي سياق الحديث عن البعد الاجتماعي، نوّه الخبير الاقتصادي بالدعم المخصص لقطاع السكن، خاصة برنامج البيع بالإيجار “عدل”، قائلًا: “السكن ليس سلعة عادية، بل هو حق أساسي، ودعم برنامج ‘عدل’ يعكس التزام الدولة بتوفير سكن لائق للطبقات المتوسطة والفئات ذات الدخل المحدود”.
مؤشرات اقتصادية إيجابية تدعم البعد الاجتماعي
ورأى بن شريف أن “الطابع الاجتماعي للقانون لا يأتي على حساب الأداء الاقتصادي، بل يستند إلى أداء اقتصادي متحسن”، مشيرًا إلى أن الناتج الداخلي الخام بلغ خلال الثلاثي الأول من 2025 أكثر من 10047 مليار دينار، بزيادة تقارب 8 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من 2024.
وأضاف: “هذا النمو الاقتصادي يوفر الموارد الضرورية لتمويل البرامج الاجتماعية، كما أن تراجع العجز المالي المتوقع إلى 4000 مليار دينار نهاية 2025، مقابل توقعات 9200 مليار دينار، يعطي مساحة مالية أكبر للدولة لمواصلة سياساتها الاجتماعية”.
تنويع الاقتصاد ضمان لاستدامة البعد الاجتماعي
واعتبر الأستاذ الجامعي أن “أهم ما في هذا المشروع هو ربط البعد الاجتماعي بتنويع الاقتصاد”، موضحًا أن التوقعات تشير إلى نمو خارج قطاع المحروقات بنسبة 5 بالمائة، مدفوعًا بقطاعات الصناعة والفلاحة والبناء والخدمات.
وقال: “هذا التنويع هو الضامن الحقيقي لاستدامة السياسات الاجتماعية، لأن الاعتماد على المحروقات وحدها يجعل البرامج الاجتماعية رهينة لتقلبات أسعار النفط العالمية”.
الإصلاحات الجبائية عدالة اجتماعية وكفاءة اقتصادية
وفيما يتعلق بالإصلاحات الجبائية، أشاد بن شريف بـ”التوجه نحو تعبئة موارد خارج المحروقات”، معتبرًا أن “زيادة الإيرادات الجبائية بنسبة 6.6 بالمائة تعكس تحسن أداء الإدارة الضريبية وتوسع القاعدة الجبائية”.
وأضاف: “الإصلاح الجبائي يجب أن يقوم على مبدأين: العدالة والكفاءة. والتدابير الواردة في المشروع، كتسوية وضعية المؤسسات المتأخرة في دفع مستحقاتها، تحقق هذا التوازن بين تحفيز النشاط الاقتصادي وضمان موارد للدولة لتمويل برامجها الاجتماعية”.
دعم المؤسسات الناشئة .. بعد اجتماعي بلغة عصرية
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن دعم المؤسسات الناشئة وحاضنات الأعمال “له بعد اجتماعي قوي، إذ يتعلق بخلق فرص عمل للشباب”، مشيرًا إلى أن تمديد فترة الإعفاءات الجبائية إلى سنتين “يمنح هذه المؤسسات فرصة أفضل للنمو والاستدامة، وبالتالي خلق مناصب شغل دائمة”.
التعاون الدولي والتضامن .. امتداد للبعد الاجتماعي
واعتبر البروفيسور بن شريف أن إيلاء المشروع أهمية لتعزيز التعاون الدولي عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية “يعكس بعدًا اجتماعيًا على المستوى الدولي”، مضيفًا: “الجزائر لا تكتفي بالبعد الاجتماعي الداخلي، بل تمده إلى التضامن مع الشعوب الأخرى، خاصة في إفريقيا”.
الحفاظ على التوازن أبرز التحديات
ورغم هذه القراءة الإيجابية، حذر الدكتور بن شريف من “ضرورة الحفاظ على التوازن بين البعد الاجتماعي والانضباط المالي”، مشيرًا إلى أن “نجاح القانون يتوقف على حُسن التنفيذ ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي”.
وأضاف: “التدابير المتعلقة بتعزيز الرقمنة ومكافحة الفساد ليست مجرد إجراءات تقنية، بل هي ضمانة لأن تصل الموارد المخصصة للبرامج الاجتماعية إلى مستحقيها الفعليين”.
قانون مالية بوجه اجتماعي
وفي ختام تحليله ، خلص الأستاذ بن شريف إلى أن “مشروع قانون المالية 2026 يمثل رسالة واضحة مفادها أن الدولة الجزائرية لن تتخلى عن دورها الاجتماعي مهما كانت التحديات”، مؤكدًا أن “المزاوجة بين البعد الاجتماعي والإصلاحات الاقتصادية هي الطريق الأمثل لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة”.
وختم بن شريف حديثه لـ”الجزائر الآن” قائلًا: “نحن أمام قانون مالية بوجه اجتماعي وعقل اقتصادي، وهذا هو المطلوب في المرحلة الراهنة”.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة