آخر الأخبار

سبع رسائل استراتيجية لمجلة الجيش

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

● سبع رسائل استراتيجية لمجلة الجيش

الجزائر الآن _ لم تكن حملة غرس أكثر من مليون شجرة في يوم واحد مجرد فعل بيئي رمزي، بل لحظة كشفت عن عمق العلاقة التي تجمع الجزائريين بجيشهم.

ففي زمن يتزايد فيه الضغط على الدول من خلال الحروب الهجينة، والتضليل الإعلامي، والصراعات غير المتكافئة، برز هذا الحدث الوطني كإشارة قوية إلى أن الأمن في الجزائر لم يعد يُقاس بالسلاح فقط، بل أيضاً بتماسك المجتمع، وصلابة القيم المشتركة، وقدرته على تحويل المبادرات المدنية إلى قوة معنوية جامعة.

افتتاحية مجلة الجيش لشهر نوفمبر حملت سبع رسائل استراتيجية، تُعيد تثبيت مفهوم محبة الجيش في الوعي الجماعي، وتضع العلاقة بين الشعب ومؤسسته العسكرية في إطار عقد معنوي جديد يقوم على الثقة، والانتماء، والوعي الجيواستراتيجي.

● 1 الجيش جزء من النسيج المدني لا مؤسسة فوق المجتمع

إبراز التعبئة الشعبية الواسعة في حملة التشجير يؤسس لخطاب يربط بين المجتمع والجيش ككتلة واحدة.

هذا الخطاب يخفّف الفاصل الرمزي بين “العسكري” و”المدني”، ويحوّل الجيش من جهاز عمودي إلى شريك في الحياة اليومية.

المشاركة البيئية التي يتقاسم فيها المواطنون والجيش نفس الفضاء العملي تبني علاقة ثقة طبيعية، تقوم على خدمة الصالح العام بدلاً من منطق السلطة والقوة.

هذا التماهي الجديد يتماشى مع فلسفة الأمن الشامل التي تعتبر المجتمع شريكاً لا مجرد متلقٍّ للحماية.

● 2 الأمن البيئي امتداد مباشر للأمن القومي

حين تربط الافتتاحية بين التشجير و”التماسك الوطني”، فهي تعيد تعريف الأمن القومي ليشمل البيئة كجزء من منظومة الحماية.

تدهور الغابات، زحف التصحّر، شحّ المياه، وحرائق الصيف ليست مخاطر بيئية فقط، بل تهديدات استراتيجية تُسهِّل الفوضى الاجتماعية والهجرة الداخلية والفراغات الأمنية.

مشاركة الجيش في حماية الغطاء النباتي لا تعني فقط توفير الموارد البشرية، بل إدماج “العقلية الأمنية” في الحفاظ على الموارد الطبيعية باعتبارها خط دفاع أول ضد هشاشة الدولة.

● 3 الوحدة الوطنية سلاح ردع ناعم وفعّال

خطاب “جسد واحد وقلب واحد” ليس مجرد حشد معنوي؛ إنه تعبير عن الردع الاجتماعي.

الدول التي تملك جبهة داخلية متماسكة تقلّ فيها قابلية الاختراق الإعلامي والسياسي.

وعندما تضع مجلة الجيش هذا المفهوم في سياق الحملة الوطنية، فهي تقول ضمنياً إن قوة المؤسسة العسكرية لا تأتي فقط من عتادها، بل من رصيد الثقة الشعبية الذي يشكل درعاً إضافياً في مواجهة التهديدات، ويمنح الجيش غطاءً واسعاً لاتخاذ قرارات حساسة إذا اقتضت الظروف.

● 4 اليقظة ضد حرب السرديات دون تهويل

الحديث عن “مؤامرات خفية ومعلنة” يُدار بذكاء لغوي: لا تهويل، لا تهديد مباشر، لكن تحصين ذهني.

هذه المقاربة تندرج ضمن الأدبيات الحديثة للأمن المعلوماتي، حيث يتم الانتقال من “مواجهة التهديد” إلى “منع قابلية الاستهداف”.

بإشراك المواطن في وعي السرديات الموجهة، تتحول المعركة من فضاء النخب والمؤسسات إلى فضاء المجتمع.

مصدر الصورة

وهنا تظهر رسالة أن محبة الجيش ليست شعوراً عاطفياً فحسب، بل جزء من المناعة المعلوماتية التي تتطلب وعياً وفطنة وتدقيقاً في مصادر الأخبار.

● 5 الاحترافية وتطوير القدرات ضمانة الاستقرار الداخلي

الافتتاحية تبرز تطوير قدرات الجيش بوصفه عملية مستمرة.

هذا لا يتعلق بالتسليح فقط، بل ببناء منظومات جاهزية تُحسن الاستجابة للأزمات.

في علم الأمن، تُعتبر القدرة على التعامل السريع مع الكوارث، وإدارة الأزمات البيئية، ومكافحة الحرائق، وتطوير الاستشعار المبكر، عناصر ردع غير مباشرة.

وهنا تشير المجلة إلى أن الجيش لا يحمي الحدود فقط، بل يرفع كفاءة الدولة في مواجهة أي خطر، سواء كان عسكرياً أو طبيعياً أو سيبرانياً، ما يجعل الثقة به جزءاً من استقرار المجتمع والدولة.

● 6 الشرعية التاريخية تمدّ الجيش بثقة معاصرة

استدعاء ذاكرة ثورة نوفمبر يهدف إلى بناء جسر تاريخي يربط بين “جيش التحرير بالأمس” و”الجيش الوطني الشعبي اليوم”.

هذا الربط يضفي على الجيش شرعية مزدوجة: شرعية الأداء، وشرعية الجذور.

في السياقات الدولية، الجيوش التي تملك عمقاً تاريخياً تكون أكثر تماسكاً وأقل عرضة للاهتزازات التي قد تستهدف صورتها.

وهنا يشكل التاريخ ليس فقط أرشيفاً وطنياً، بل مادة لإعادة إنتاج الثقة وترسيخ محبة الجيش باعتباره استمراراً لمشروع التحرر الوطني، لا مجرد مؤسسة معاصرة.

● 7 العقد الاجتماعي: حماية مقابل ثقة ومساندة

إشارة المجلة إلى “العمق الشعبي الأصيل” تعيد صياغة علاقة الجيش بالشعب ضمن مفهوم “العقد غير المكتوب”: الجيش يحمي، والمجتمع يمنح الشرعية والانسجام والدعم.

هذا الربط بين الشرعية الشعبية والأداء العسكري يعزز مناعة الدولة ويزيد من سرعة الاستجابة للتهديدات.

كما يحول محبة الجيش من إحساس رمزي إلى قيمة استراتيجية تدعم الاستقرار السياسي، وتغذي الأمن الداخلي، وتُسهم في بناء فضاء اجتماعي قادر على مواجهة الضغوط الخارجية.

تُحوّل مجلة الجيش حملة التشجير إلى درس استراتيجي معمّق: الأمن يبدأ من الجذور، من التربة، من الوعي، ومن الثقة المتبادلة بين الشعب ومؤسسته العسكرية.

حين تكون العلاقة بين الطرفين قائمة على قيم الوحدة والذاكرة والمناعة والاحترافية، يصبح الدفاع عن الوطن مشروعاً مشتركاً يتجاوز الحدود والأسلحة نحو بناء مجتمع متماسك يصعب اختراقه.

الرسالة النهائية التي تحملها الافتتاحية واضحة: كل شجرة تُزرع، وكل مواطن يساهم، وكل جندي يرابط، يضيف لبنة جديدة في صرح الجزائر الآمنة، المستقرة، والمزدهرة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا