حتى خارج الحكومة روتايو يطارد الجزائر بخطابه المسموم
الجزائرالٱن _ في خرجة جديدة تكشف عن أزمة بنيوية داخل الدبلوماسية الفرنسية، أطلق وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو حملة عدائية ضد الجزائر، ملأها بالمغالطات والتناقضات، في حوار مع صحيفة JDNews نشر يوم 5 نوفمبر. لم يكن حديثه سوى صرخة سياسية يائسة من رجل يبحث عن دور في مشهد فرنسي مرتبك، يستخدم الجزائر كشمّاعة لتعليق فشل سياسات باريس الخارجية.
اتهامات عبثية.. وأزمة هوية سياسية
روتايو، الذي لم يتخلَّ يومًا عن لهجته المتعالية، اتهم الجزائر بإقصاء اللغة الفرنسية من مدارسها، وبتصنيف الشركات الفرنسية ضمن “قوائم سوداء”، بل وبـ“اللعب بسياساتها على الأراضي الفرنسية”. وبلغ به الهوس إلى حد الادعاء بأن الجزائر سجنت كاتبًا وصحفيًا فرنسيين، وعلّقت التعاون الأمني خلال الألعاب الأولمبية، بينما “واصلت روسيا التعاون” كما قال. هذه اللغة المليئة بالافتراءات لا تعبّر عن موقف رسمي بقدر ما تترجم أزمة سياسية وشخصية لرجل يحاول استغلال الجزائر كورقة انتخابية.
من يتلاعب بالعلاقات الثنائية؟
الجزائر لا تحتاج لتبرير سياستها لأحد. لكن من المهم التذكير بأن الطرف الذي اختار التصعيد هو باريس، عندما قرر الرئيس إيمانويل ماكرون الانحياز بشكل فجّ إلى أطروحة المغرب حول الصحراء الغربية في رسالة رسمية للملك محمد السادس في جويلية 2024. هذا الانحراف الدبلوماسي هو ما فجّر التوتر، وليس ما يسميه روتايو “تعنت الجزائر”. فالدبلوماسية الجزائرية ترفض أن تكون تابعًا في لعبة مصالح، بينما الساسة الفرنسيون يتعاملون مع ملفات الخارج بمنطق الحملات الانتخابية.
اللغة الفرنسية ليست مقدّسة
حين يتحدث روتايو عن “إقصاء اللغة الفرنسية”، فإنه يكشف عن ذهنية استعمارية لم تغادره. الجزائر تمارس سيادتها كاملة على خياراتها التربوية واللغوية، واختيارها دعم اللغة الإنجليزية هو قرار استراتيجي يتماشى مع التحولات العالمية، لا موقفًا ضد فرنسا. غير أن بعض السياسيين الفرنسيين ما زالوا يتعاملون مع اللغة كأداة نفوذ، لا كجسر للتواصل.
شركات فرنسا ليست فوق القانون
أما حديثه عن “القوائم السوداء”، فهو تضليل متعمد. الجزائر تطبّق القانون على الجميع دون تمييز، والشركات الفرنسية التي فشلت في مشاريعها لا يحق لها التذرع بالسياسة لتبرير أخطائها. السوق الجزائرية مفتوحة للشركاء الجادين فقط، لا لمن يعتبر الاستثمار امتدادًا للهيمنة القديمة.
التعاون الأمني… السيادة أولًا
روتايو يعلم قبل غيره أن الجزائر لا توقف تعاونًا أمنيًا إلا عندما يُمسّ بمبدأ السيادة. وأي فتور في هذا المجال سببه السياسة الفرنسية نفسها، التي اختارت لغة الاستعلاء بدل الاحترام المتبادل. الجزائر تتعاون مع من يحترمها، لا مع من يستعملها مادة انتخابية.
العدالة الجزائرية ليست تحت الطلب
أما الزجّ باسم الكاتب بوعلام صنصال أو الصحفي كريستوف غليز في خطاب سياسي، فهو تجاوز مرفوض. الجزائر دولة قانون، وقضاؤها مستقل لا يخضع لابتزاز إعلامي أو دبلوماسي. ومن يرفع شعار “حرية التعبير” في باريس، عليه أن يتذكر كيف تعاملت حكومته مع متظاهري “السترات الصفراء”.
اتفاقيات 1968… خطاب انتخابي رخيص
حين يطالب روتايو بإلغاء اتفاقيات 1968 بدعوى أنها “تكلّف فرنسا ملياري أورو سنويًا”، فإنه يغازل أقصى اليمين بخطاب شعبوي يفتقد إلى الحد الأدنى من الموضوعية. الجالية الجزائرية ليست عبئًا على فرنسا، بل ركيزة من ركائز اقتصادها، تساهم في الإنتاج وتدفع الضرائب وتغذي قطاعات حيوية. لكن في فرنسا اليوم، الحقيقة لا تهم بقدر ما تهمّ الأصوات الانتخابية.
عقدة الجزائر تطارد فرنسا
روتايو ليس سوى عرضٍ من أعراض أزمة أعمق تضرب السياسة الفرنسية منذ سنوات، عجزها عن تقبّل حقيقة أن الجزائر لم تعد تحت وصاية باريس. فكلما فشلت فرنسا في إفريقيا أو في الداخل، عادت إلى مهاجمة الجزائر لتغطية إخفاقاتها. لكن تلك اللعبة فقدت بريقها.
الجزائر اليوم تفرض احترامها بمواقفها، بسيادتها، وبقدرتها على قول “لا” بصوت واضح. من يريد علاقة ندّية، سيجد في الجزائر شريكًا صادقًا. أما من لا يزال يرى فيها مستعمرة قديمة، فلن ينال منها سوى الصمت البارد والرد القاطع، الجزائر ليست ورقة في صراعكم الداخلي… ولن تعود يومًا إلى الوراء.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة