البرلمان الفرنسي يفتح ملف التجارب النووية في الصحراء الجزائرية
الجزائرالٱن _ تشهد الجمعية الوطنية الفرنسية حراكاً سياسياً لافتاً بعد أن طُرحت مبادرتان برلمانيتان لإعادة فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في التاريخ الفرنسي الحديث، ملف التجارب النووية التي نفّذتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، وما خلّفته من مآسٍ إنسانية وكوارث بيئية ما تزال آثارها قائمة إلى اليوم .
وتسعى المبادرتان إلى إقرار آلية جديدة للعدالة وجبر الضرر، تعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن تلك التجارب، وتمنح الضحايا حقهم في التعويض الكامل، بعد عقود من التعتيم والغموض الرسمي .
مراجعة قانون “موران ” وإصلاح نظام التعويضات
المقترح الأول الذي تقدّمت به النائب ميرانا ريد أربيلوت وزميلها ديديي لو غاك يدعو إلى مراجعة شاملة لقانون “موران” الصادر عام 2010، الذي وضع نظاماً بيروقراطياً معقداً للتعويض عن الأضرار الناجمة عن الإشعاعات النووية .
ويرى المقترح أن هذا القانون حرم أغلب الضحايا من حقهم، لكونه يشترط إثبات العلاقة المباشرة بين المرض والإشعاع، في وقت يصعب فيه العثور على الوثائق الطبية والإدارية، خصوصاً في المناطق النائية من الصحراء الجزائرية .
ويقترح المشروع الجديد اعتماد مبدأ “المسؤولية عن المخاطر”، بحيث يصبح مجرد وجود الضحية في منطقة التجارب، مع إصابته بمرض مدرج في القائمة الرسمية، كافياً للحصول على التعويض دون الحاجة لإثبات السببية العلمية. كما يوسّع دائرة المستفيدين لتشمل أفراد العائلات المتضررة، ويلغي شرط “حد الإشعاع المقبول ”.
يوم وطني وضمانات جديدة
يكرّس المقترح بعداً تذكارياً من خلال اقتراح تحديد الثاني من جويلية يوماً وطنياً لضحايا التجارب النووية، مع فتح الأرشيف العسكري والعلمي لتلك الفترة أمام الباحثين والرأي العام، وتشجيع الدراسات حول آثارها البيئية والصحية .
كما يقترح إنشاء لجنة مشتركة بين الدولة وصناديق التأمين الصحي لتقييم الأضرار والتكفل بالتكاليف الطبية، إلى جانب لجنة متابعة موسعة قادرة على تحديث قوائم الأمراض المرتبطة بالإشعاع وفق التقدم العلمي .
مبادرة ثانية لتحقيق برلماني حول تجارب الجزائر
أما المبادرة الثانية التي تقدّمت بها النائبة دومينيك فواني وعدد من النواب من كتل مختلفة، فتقترح تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خاصة بالتجارب النووية في الجزائر .
تهدف اللجنة إلى دراسة ظروف إجراء تلك التفجيرات، وآثارها الصحية والبيئية والاجتماعية، وتقييم إخفاقات قانون “موران”، مع التركيز على الفترة التي سمحت فيها اتفاقيات إيفيان لفرنسا بمواصلة تجاربها النووية داخل الأراضي الجزائرية المستقلة .
ويسترجع المشروع الخلفية التاريخية لأول تجربة في رقان يوم 13 فيفري 1960 تحت اسم “اليربوع الأزرق”، وما تبعها من ثلاث تجارب جوية وثلاث عشرة تجربة تحت الأرض في جبال الهقار، استمر تنفيذ 11 منها بعد الاستقلال .
كارثة “بيريل” ونفايات الصحراء المفتوحة
يشير المقترح إلى الحادثة الشهيرة “بيريل” سنة 1962، حين تسرّبت كميات ضخمة من الإشعاعات بعد انفجار نفق تجريبي، ما أدى إلى إصابة مئات الأشخاص، بينهم ضباط فرنسيون رفيعو المستوى .
ويُتهم الجيش الفرنسي وقتها بدفن النفايات النووية في رمال الصحراء دون تأمينها أو حصرها، تاركاً وراءه معدات وعربات ملوثة ما تزال إلى اليوم عرضة للرياح والرمال في مناطق مأهولة. وتؤكد تقارير علمية فرنسية لاحقة غياب أي بيانات دقيقة عن حجم تلك النفايات أو مواقعها .
تمييز ضد الضحايا الجزائريين
يرى النواب أن القانون الفرنسي أنصف ضحايا بولينيزيا إلى حدّ ما، بينما حُرم الجزائريون من الاعتراف نفسه .
فمن بين مئات الملفات المقدمة من الجزائر، لم يُعترف إلا بحالتين فقط، في حين لم تُعقد اللجنة الجزائرية–الفرنسية المشتركة سوى اجتماع واحد منذ إنشائها سنة 2012 دون نتائج ملموسة .
ويعتبر أصحاب المقترحين أن فتح هذا الملف بشفافية يمثل خطوة أساسية نحو اعتراف فرنسي شامل ومسؤول، يعيد الثقة بين باريس والجزائر بعد ستة عقود من الصمت والإنكار .
ذاكرة الصحراء لا تموت
فرنسا أجرت ما لا يقل عن 17 تجربة نووية في الجزائر، بين رقان وإن إكر، وتسببت تلك التفجيرات في معاناة أكثر من 150 ألف شخص بين عسكريين وسكان محليين .
واليوم، ومع تصاعد الأصوات داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، يبدو أن صفحة الماضي بدأت تُفتح من جديد، لتضع باريس أمام استحقاق أخلاقي وتاريخي طال انتظاره، الاعتراف الكامل بجرائمها النووية في الصحراء الجزائرية.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة