آخر الأخبار

مقال رأي | الجزائر في مجلس الأمن: صوت المبادئ في زمن الصمت

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري
● الجزائر في مجلس الأمن: صوت المبادئ في زمن الصمت

● مقال رأي

الجزائر الآن _ في قلب المؤسسة الأممية التي تحولت إلى مسرح للمصالح الضيقة والصفقات المشبوهة، دخلت الجزائر مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة 2024-2025، لا كطرف يبحث عن مكاسب أو يساوم على مبادئه، بل كصوت يمثل ضمير الشعوب المقهورة وآمال الأمم التي سُرقت حقوقها على مرأى ومسمع من العالم.

لم تأتِ الجزائر لتكون ديكوراً في مسرحية الأمم المتحدة الهزلية، بل جاءت لتفضح النفاق وتعري الازدواجية وتصرخ بالحق في وجه القوى الكبرى التي حولت المجلس إلى أداة لحماية الظلم وتكريس الاحتلال .

منذ اللحظة الأولى، أثبتت الجزائر أن العضوية ليست شرفاً فارغاً يُعلّق على الجدران، بل مسؤولية تاريخية وواجب أخلاقي تجاه كل شعب يُذبح تحت سمع وبصر المجتمع الدولي.

رفضت الجزائر أن تكون جزءاً من المنظومة الفاسدة التي تصفق للديمقراطية في الغرب وتصمت عن الاحتلال في الشرق، التي تدين الانتهاكات عندما يرتكبها الضعفاء وتتغاضى عنها عندما يقترفها الأقوياء.

الجزائر جاءت لتقول كلمة الحق ولو على نفسها، لتعيد إلى مجلس الأمن ما فقده من مصداقية وما تنكر له من مبادئ .

في القضية الفلسطينية، كانت الجزائر السيف الذي قطع حبال النفاق الدولي.

بينما كانت دول كبرى تتبادل الأدوار في مسرحية الحل السلمي الوهمية، وقفت الجزائر وحيدة تصرخ في وجه العالم: “الاحتلال لن يصبح أمراً واقعاً مهما طال الزمن، والصمت على الإبادة جريمة لا تقل بشاعة عن الإبادة نفسها”.

قالت ما لم يجرؤ غيرها على قوله: “إن الدول التي تبكي على ضحايا الحروب في أوروبا وتصمت عن أطفال غزة تحت الركام، ليست دولاً إنسانية بل شريكة في الجريمة”.

الجزائر لم تكتفِ بالإدانات الخجولة والبيانات المطاطة، بل طالبت بوقف فوري للعدوان وبحل سياسي حقيقي يضمن قيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، لا حلول ترقيعية تُباع باسم الواقعية السياسية .

وفي قضية الصحراء الغربية، ظلت الجزائر كالجبل الشامخ، ترفض المساومة على حق الشعوب في تقرير مصيرها.

بينما كانت دول تبيع مواقفها بصفقات اقتصادية وتبدل مبادئها بمصالح آنية، بقيت الجزائر متمسكة بموقفها المبدئي: “لا حياد بين الضحية والجلاد، ولا صمت على احتلال يحاول طمس هوية شعب كامل”.

مصدر الصورة

أكدت الجزائر أن حق تقرير المصير ليس شعاراً للاستهلاك الإعلامي، بل قاعدة قانونية آمرة لا تسقط بالتقادم ولا تُلغى بالقوة ولا تُشترى بالمال.

الجزائر التي دفعت ثمن حريتها بدماء مليون ونصف المليون شهيد، تدرك جيداً أن الحرية لا تُستجدى ولا تُهدى، وأن نصر الشعب الصحراوي آتٍ لا محالة، مهما تآمر المتآمرون وتواطأ الصامتون .

في الأزمة السودانية، كان صوت الجزائر واضحاً وحازماً، يدين الجرائم المرتكبة ويطالب بمحاسبة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء.

لم تسقط الجزائر في فخ التدخلات الخارجية التي تزيد الوضع تعقيداً، بل دعت إلى حل سوداني يحفظ وحدة البلاد واستقرارها بعيداً عن الأجندات الإقليمية والدولية التي تسعى لتقسيم السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي.

الجزائر تعرف جيداً أن الشعوب لا تُصلح أوضاعها بالوصاية الخارجية، بل بإرادتها الحرة وخياراتها السيادية .

وفي ملف الحرب الأوكرانية، رفضت الجزائر أن تكون ورقة في لعبة الاستقطاب الدولي الجديد. بينما كان العالم ينقسم إلى معسكرين متحاربين، اختارت الجزائر موقف التوازن والعقلانية، داعية إلى حل سياسي عادل يحترم القانون الدولي ويعيد للدبلوماسية دورها في صناعة السلام.

الجزائر التي عانت من الاستعمار والحروب، ترفض أن تكون الحرب وسيلة لحل النزاعات، وتؤكد أن السلام لا يُبنى بالانحياز الأعمى بل بالعدالة والإنصاف .

بل إن الجزائر ذهبت أبعد من ذلك، فتناولت القضايا التكنولوجية المعاصرة برؤية تحررية واضحة.

في عصر يشهد ثورة رقمية غير مسبوقة، حذرت الجزائر من أن الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لا يجب أن يتحولا إلى أدوات هيمنة جديدة تعمق الفجوة بين الشمال والجنوب.

دعت إلى نقل التكنولوجيا وتقليص الفجوة الرقمية، مؤكدة أن التنمية المستدامة لا تتحقق بالاحتكار التكنولوجي بل بالتشارك المعرفي والتعاون الحقيقي .

الجزائر في مجلس الأمن لم تكن عضواً عادياً يرفع اليد ويصمت، بل كانت ضميراً يقظاً وصوتاً جريئاً يقول الحق في وجه الباطل. أعادت إلى المجلس ما فقده من مصداقية، وذكّرت العالم بأن المبادئ ليست سلعة للمساومة، وأن العدالة ليست حكراً على الأقوياء.

عضوية الجزائر كانت صفعة على وجه كل من يتاجر بالقيم ويستغل المؤسسات الدولية لخدمة أجنداته الضيقة. كانت رسالة قوية أن الكلمة الصادقة والموقف المبدئي قادران على مواجهة أعتى القوى وأشرس الضغوط .

التجربة الجزائرية في مجلس الأمن ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي درس تاريخي في الثبات على المبدأ والشجاعة في قول الحق.

أثبتت الجزائر أن العضوية في مجلس الأمن يمكن أن تكون منصة للدفاع عن المظلومين لا منصة للمساومة على حقوقهم، وأن الدبلوماسية عندما تستند إلى قيم العدالة والحرية، تصبح سلاحاً فتاكاً في وجه الظلم والاستبداد .

الجزائر لم تذهب إلى مجلس الأمن لتنال رضا الكبار أو تحظى بمباركة الأقوياء.

ذهبت لتقول للعالم: هناك شعوب لا تزال تحت الاحتلال، وهناك أطفال يُقتلون كل يوم، وهناك حقوق تُنتهك تحت سمعكم وبصركم. ذهبت لتثبت أن الصمت ليس حياداً بل خيانة، وأن التواطؤ على الظلم أبشع من الظلم نفسه. هذا هو دور الجزائر، وهذا هو إرثها الذي لن يُمحى من ذاكرة التاريخ.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا