آخر الأخبار

العلاقات الجزائرية–الفرنسية: من منطق التصعيد إلى خيار الشراكة المتوازنة.. قراءة في التحول الفرنسي الجديد

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

● العلاقات الجزائرية–الفرنسية: من منطق التصعيد إلى خيار الشراكة المتوازنة.. قراءة في التحول الفرنسي الجديد

الجزائر الآن _ تعيش العلاقات الجزائرية–الفرنسية مرحلة إعادة تموضع سياسي واضحة، بعد فترة من التوتر الصامت والتباعد الدبلوماسي.

فالتصريحات الأخيرة لوزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز لصحيفة لوباريزيان، تحمل رسائل سياسية متعددة المستويات، تعكس – وفق مراقبين – رغبة حقيقية من قصر الإليزيه في فتح صفحة جديدة مع الجزائر، تقوم على الحوار والتفاهم بدل التصعيد والمزايدات.

● د. إسماعيل خلف الله: باريس تتجه نحو التهدئة وإعادة بناء الثقة

أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور إسماعيل خلف الله في تصريح لـ”الجزائر الآن” أن تصريحات نونيز تندرج ضمن توجه الحكومة الفرنسية الجديدة نحو إعادة بناء الثقة مع الجزائر، بعد أن أظهرت التجارب السابقة فشل سياسة “ليّ الذراع”.

مصدر الصورة

وأوضح أن الوزير الفرنسي عبّر بوضوح عن رفضه لنهج التصعيد الذي اتبعه سلفه، حين قال إن من يظن أن الأسلوب الخشن هو الحل “مخطئ”، مشيرًا إلى أن العلاقات الثنائية لا يمكن أن تتقدم في ظل غياب قنوات التواصل الفعّال.

ويرى خلف الله أن هذا التحول يعكس رغبة فرنسية في إعادة توجيه البوصلة الدبلوماسية نحو الحوار والتفاهم بعد إدراك باريس أن القطيعة لم تحقق أي مكسب سياسي أو اقتصادي.

● نونيز يعيد التوازن السياسي ويدرك أهمية الشراكة الأمنية

وأضاف الخبير الاستراتيجي أن الحكومة الفرنسية الجديدة تسعى إلى تجاوز مرحلة التشنج التي اتسمت بها العلاقات الثنائية في عهد الوزير السابق برونو روتايو، الذي تبنّى خطابًا متصلّبًا لأغراض انتخابية داخلية.

وأكد خلف الله أن إبعاد روتايو من المشهد السياسي أعاد قدرًا من التوازن داخل التيار المحافظ الفرنسي، مستشهدًا بتقييمات من أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي تؤكد هذا الاتجاه.

وأشار إلى أن الوزير الجديد، ذو الخلفية الأمنية، يدرك تمامًا أهمية التعاون الاستراتيجي بين الجزائر وباريس، خصوصًا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، لافتًا إلى أن تعطيل هذا التعاون خلال الفترة السابقة أضر بالمصالح الفرنسية نفسها، بعد أن فقدت باريس العديد من مصادر المعلومات الحيوية.

● اليمين المتطرف يوظف اتفاقية الهجرة كورقة ابتزاز سياسي

مصدر الصورة

وتطرق خلف الله إلى تصويت البرلمان الفرنسي الأخير لصالح إلغاء اتفاقية الهجرة لعام 1968، موضحًا أن هذه اللائحة “لا تحمل أي أثر قانوني ملزم للحكومة الفرنسية”، لأن تعديل أو إلغاء الاتفاقيات الدولية من صلاحيات رئيس الجمهورية حصراً.

واعتبر أن اليمين المتطرف، يوظف هذا الملف “كأداة ابتزاز سياسي” في ظل إفلاسه السياسي والاجتماعي، بعد فشله في تقديم حلول واقعية للأزمات الداخلية.

وأضاف أن هذا التيار اختار استغلال ملف الهجرة لتسميم العلاقات الجزائرية–الفرنسية، مستعملاً “شماعة الجزائر” لتغطية فشله الاقتصادي والاجتماعي.

● تصريحات نونيز تمهّد لعودة الحوار على أساس الندية والمصالح المشتركة

وفي تحليله لمغزى التصريحات، شدد الدكتور خلف الله على أن الوزير الفرنسي الجديد يمهّد لعودة الحوار الثنائي بين الجزائر وباريس “سواء عبر قنوات علنية أو خلف الكواليس”، مؤكدًا أن الجزائر لم تكن يومًا رافضة للحوار، بل تدعو إليه بشرط الاحترام المتبادل والمصالح المتوازنة.

وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين تكتسب طابعًا خاصًا بحكم التاريخ المشترك ووجود جالية جزائرية كبيرة في فرنسا، ما يجعل من خيار التهدئة ضرورة واقعية للطرفين.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي مرهونة بتخلي باريس عن لغة الاستفزاز السياسي، واعتماد منطق الشراكة “رابح – رابح” كأساس دائم للتعاون بين البلدين.

● تحوّل في المقاربة الفرنسية: نونيز يمهّد لبداية مرحلة جديدة

يرى محللون أن تصريحات نونيز تمثل تحوّلًا سياسيًا واضحًا في المقاربة الفرنسية تجاه الجزائر، بعد مرحلة من التوتر والتباعد.

فالوزير الجديد – بحسب الخبراء – بعث برسالة مزدوجة: داخلية تهدف إلى الحد من تصاعد اليمين المتطرف، وخارجية تعبّر عن رغبة رسمية في استعادة الحوار مع الجزائر على أسس واقعية ومتوازنة.

كما أن إقراره بجمود التعاون الأمني والاستخباراتي، وإعلانه عن تلقيه دعوة رسمية من نظيره الجزائري، يؤشر على وعي متزايد داخل باريس بأن سياسة الضغط لم تعد مجدية، وأن استعادة الثقة تمر عبر الحوار الهادئ واحترام المصالح المشتركة.

● من منطق الأزمة إلى منطق التفاهم

يخلص المراقبون إلى أن الأزمة الأخيرة حول اتفاقية 1968 كشفت حدود التوظيف السياسي لملف الهجرة، وأظهرت أن الجزائر تعاملت مع الموضوع بثبات وهدوء، متمسكة بمبدأ المعاملة الندية واحترام السيادة.

ويؤكد الخبراء أن تصريحات نونيز تعبّر عن إدراك متأخر لأهمية الجزائر كشريك استراتيجي في ملفات الأمن والهجرة والطاقة، وتشير إلى بداية مراجعة حقيقية للسياسة الفرنسية في شمال إفريقيا.

● الجزائر شريك لا يمكن تجاوزه

في الخلاصة، تمثل تصريحات وزير الداخلية الفرنسي الجديد بداية مرحلة جديدة في العلاقات الجزائرية–الفرنسية، عنوانها الواقعية والاحترام المتبادل.

لقد أدركت باريس – ولو متأخرًا – أن التعامل مع الجزائر لا يمكن أن يقوم على منطق الإملاءات أو الوصاية، بل على الشراكة الندية والمصالح المشتركة.

وفي ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة في المتوسط والساحل، يبدو أن فرنسا بصدد إعادة بناء مقاربتها تجاه الجزائر، التي تظل – بثقلها الأمني والدبلوماسي – شريكًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الاستقرار الإقليمي.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا