بورتريه | فؤاد معلى..حين تتحول شجرة واحدة إلى ثورة خضراء في الجزائر
الجزائرالٱن _ 25 أكتوبر يوم سيبقى في ذاكرة الجزائريين الذين أفاقوا على حدثٍ تاريخيٍّ استثنائي، إذ اجتمعوا بكل أطيافهم على إنجاح مبادرةٍ بدأت بفيديو على الإنترنت أطلقه فؤاد معلى، صاحب مبادرة “الجزائر الخضراء”، رفقة وزير الفلاحة، لغرس مليون شجرة في يومٍ واحد. تحوّلت الفكرة من منشورٍ رقمي إلى واقعٍ حيٍّ بدأ من مدينة الأربعاء بولاية تيزي وزو، وامتد إلى كل ربوع الوطن تحت شعار واحد: “خضراء بإذن الله”.
كان المشهد أشبه بعرسٍ وطنيٍّ أخضر، جسّده فؤاد وسط جيوش المتطوعين من مختلف الفئات، يزرع ويحفّر ويحمل الشتلات بيديه، في صورةٍ صادقةٍ أعادت إلى الأذهان قيمة العمل الجماعي وروح المواطنة. لم تكن المبادرة مجرد حملة تشجير، بل كانت طريقةً لإحياء الإحساس بالمسؤولية، وغرس ثقافة العطاء وسط الجزائريين الذين ما زال فيهم رصيدٌ عميق من الخير ينتظر من يوقظه.
رجل الأعمال الذي اختار الأرض
فؤاد معلى (48 سنة) رجل أعمال من ولاية باتنة درس الهندسة الميكانيكية وأب لثلاثة أبناء، ينشط في المجال التجاري، لكنه اختار أن يوجّه جزءًا من جهده ووقته لخدمة الأرض. لم تدفعه حملات دعائية ولا طموحات سياسية، بل شغفٌ صادق وإيمانٌ عميقٌ بفكرة أن التغيير يبدأ من العمل البسيط. أطلق مشروعه الأول بعنوان “أمام كل بيت شجرة” قبل نحو ست سنوات، وكانت البداية من حي الباطوار في باتنة، قبل أن تتوسع الحملة وتتحول إلى مشروع وطني من خلال فكرة “مشتلة” في كل بلدية، ومبادرات عبر البلديات والولايات التي بدأت تتجاوب مع فكرته قبل أن تتوسع.
كيف بدأ الشغف؟
قصة فؤاد مع الأرض بدأت من الطفولة. يقول: “كل شيء بدأ في قرية القصر ببلدية تكوت جنوب باتنة، حيث كنت أخرج مع جدتي هنية لسقي الأشجار، وهناك تعلّمت أبجديات الفلاحة وبعض أسرار الزراعة”. يوعز فؤاد الفضل إلى جدته المرحومة التي غرست فيه حب الطبيعة، وجعلته يرى في الأرض حياة. ومنذ ذلك الوقت، بقيت علاقة الرجل بالأرض حميمية، حتى حين انتقل للعيش
في مدينة باتنة.
نجاح لم يُخطط له
لم يكن فؤاد يسعى إلى شهرةٍ أو إلى إشادة، بل أراد فقط أن يجعل مدينته خضراء. لكن ما حدث تجاوز أحلامه. فالفكرة التي وُلدت في حيٍّ صغيرٍ من باتنة، امتدت إلى كل جهات البلاد، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لم يكن ذلك تخطيطًا، بل نتيجة طبيعية لما سمّاه فؤاد “عدوى الخير”، حين تأكد أن الجزائريين يحملون في داخلهم طاقةً كبيرة من الخير تحتاج فقط إلى من يوجّهها نحو النفع العام.
قائد قريب من الناس
فؤاد معلى لم يُعرف كرجل يتصدر المنابر، بل كرجلٍ في الميدان. لا ينتمي إلى أي حزب، ولا يُحسب على أي جهة، ولا يرتدي عباءة السياسة. هو مواطنٌ بسيط قرر أن يكون في قلب الفعل. يقف إلى جانب المتطوعين، يحمل الفأس ويحفر ويغرس بنفسه. هذا القرب من الناس خلق بينه وبينهم علاقة ثقةٍ نادرة، تجلت في لحظات مؤثرة، منها مشهد برج بوعريريج حين التف حوله الناس يرددون اسمه وهم يهتفون له بعفويةٍ أبكته، كما بكى من جديد بعد نجاح حملة أكتوبر الأخيرة.
الفكرة التي تجاوزت التشجير
في نظر فؤاد معلى، غرس الأشجار ليس مجرد عمل بيئي، بل رسالة وعيٍ ومصالحة. فالشجرة عنده ترمز إلى الحياة، وغرسها هو غرس للأمل في أرضٍ عطشى. يكرر دائمًا أن الهدف هو إعادة التصالح بين الإنسان والطبيعة، وبين المواطن ووطنه. وما يُميّز فؤاد أنه لا يكتفي بالكلام، بل يحوّل الأفكار إلى مبادراتٍ واقعيةٍ تترك أثرًا واضحًا. من هنا واصل حلمه بخطواتٍ ثابتة نحو هدفه الأكبر: أن تكون الجزائر كلها خضراء بإذن الله.
من الفضاء الرقمي إلى الواقع
نجح فؤاد في تحويل مواقع التواصل الاجتماعي من فضاءٍ افتراضي إلى أداةٍ واقعيةٍ للتعبئة والتشجيع واستقطاب المتطوعين. استخدمها بذكاء، تفاعل مع الناس، واستثمر طاقاتهم، حتى حين خسر صفحته الإلكترونية، عاد من جديد أقوى بدعم الجزائريين الذين وجدوا فيه نموذجًا صادقًا لا يبحث عن أضواء. استطاع أن ينقل الحماس من الشاشة إلى الميدان، وأن يجعل العمل التطوعي سلوكًا جماعيًا حيًا لا أن يبقى حبيس الشاشات.
رهان المستقبل
ورغم كل التحديات، لا يبدو أن فؤاد يفكر في التوقف. يقول بثقةٍ هادئة: “الهدف القادم هو 21 مارس، يوم غرس خمسة ملايين شجرة أو أكثر”. بالنسبة له، هذه ليست أرقامًا، بل عهود جديدة مع الوطن. هو رهانٌ بيئيٌّ واجتماعيٌّ في آنٍ واحد، يُعيد للجزائريين إحساسهم بأنهم قادرون على الإصلاح والبناء بأيديهم، وجعل وطنهم أفضل.
إن فؤاد معلى في النهاية ليس ناشطًا بيئيًا فحسب، بل حالة إنسانية تعبّر عن الجزائري العادي حين يقرر أن يكون استثناءً. رجلٌ من بين ملايين اختار أن يقود الجزائريين نحو تغيير جميل في واقعهم، اختار ان يتجاوز السلبيه ويكون فاعلا ومؤثرا ومصلحا لقد اختار أن يغرس شجره وقبل ذلك أن يزرع حلما رائعا في عقول الجزائريين في وطنهم الجميل الذي يتكاتف فيه الكبير والصغير، الرجل والمرأة الصغير والكبير جميعهم لأجل فكرة واحدة…
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة