تقرير: الاحتياطات الجزائرية من الغاز الصخري كبيرة جدًا و لا يمكن للشركات الأمريكية العملاقة تجاهلها
تتصاعد إشارة الشركات العملاقة إلى أن الاحتياطات الجزائرية من الغاز غير التقليدي (الغاز الصخري) ضخمة بما يكفي لاستدراج اهتمام إكسون موبيل وشيفرون مجددًا، بعد سنوات من التردّد والمحاولات التي لم تكلل بالنجاح. في تقرير نشرته مجلة Energy Intelligence بتاريخ 22 أكتوبر 2025 أشار عدد من المسؤولين التنفيذيين إلى أن الجزائر تملك موارد غير مطوّرة تقارب 700 تريليون قدم مكعب (Tcf) من الغاز غير التقليدي — رقم يقربها جدًا من حجْم حقل الشمال القطري (حوالي 900 Tcf) — مما يمنحها “ماديّة استراتيجية” في خريطة الطاقة العالمية، بحسب تصريح جون أرديل، رئيس الاستكشاف العالمي في إكسون، نقلته المجلة على هامش منتدى الطاقة في لندن.
تضع هذه الأرقام الجزائر في مرتبة متقدمة عالميًا من حيث موارد الغاز غير التقليدي؛ فهي تأتي بعد الصين والأرجنتين ومقدَّماً على الولايات المتحدة، التي تعتبر اليوم أكبر مُنتِج للغاز الصخري عالمياً. ومع ذلك، لم ينطلق القطاع بعد في الجزائر بصورة تجارية واسعة، بسبب عوامل تقنية واقتصادية وبيئية واجتماعية مرتبطة أساسًا بتجارب سابقة والاعتراضات المحلية على استهلاك المياه المرتبط بعمليات التكسير الهيدروليكي.
محاولات سابقة وتعليق نشاطات الشركات بسبب الاحتجاجات البيئية
يذكر تقرير Energy Intelligence أن تجارب شركات كـشل وإيني وأناداركو واجهت صعوبات اقتصادية ولا نجاحًا راهنًا، وأن الاعتراضات المحلية في الجنوب الجزائري حول الاستهلاك المائي الكبير لعمليات التكسير أدت إلى موجة احتجاجات، دفعت سوناطراك وشركات خدمات نفطية مثل هاليبرتون وشلمبرجير (SLB) إلى تعليق أنشطتها في بعض المواقع. هذه التجربة أوحت على مدى السنوات بضرورة توافر حل تقني وبيئي مقبول محليًا قبل إطلاق مشاريع واسعة النطاق.
الاستراتيجية الجزائرية: إعادة إطلاق ضمن خطة استثمارية واسعة
يشير التقرير إلى أن الجزائر تسعى الآن لإدراج تطوير الغاز الصخري ضمن منظومة طموحة للاستثمار في الطاقة، إذ تخطط الحكومة لاستثمار حوالي 60 مليار دولار بين 2025 و2029 لتعزيز إنتاج النفط والغاز وتطوير مشاريع الهيدروجين، وذلك عقب إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سبتمبر. هذه الرؤية تشمل جذب خبرات كبرى لتسريع التطوير التقني وتقليص التكاليف، مع الحرص على تقليل الأثر البيئي، وفقًا لما نقله أرديل والجهات المعنية في التقرير.
عودة إكسون وشيفرون: مذكرات تفاهم وخطوات تنفيذية
رغم إخفاقات الأعوام الماضية، تسلّمت السوق أخبارًا عن مذكرات تفاهم (MOU) واتفاقات مبدئية أبرمتها العملاقة الأمريكية مع الجهات الجزائرية. وجاءت وفق هذه التفاصيل:
ـ إكسون موبيل وقعت مذكرة تفاهم مع سوناطراك في ماي 2024 لتطوير حوضَي أهنت (Ahnet) وقورارة (Gourara) في الصحراء الجنوبية. كما أشار التقرير إلى لقاء جرى بين جون أرديل والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في جوان 2025، ما يعكس التزامًا دبلوماسيًا وتقنيًا متجددًا.
ـ شيفرون أبرمت بدورها مذكرة تفاهم ودراسات جدوى لتقييم إمكانات حوضَي أهنت وبركين (Berkine)، وإن كانت الشركة أقل إطلاقًا للتصريحات العلنية بشأن استراتيجيتها الجزائرية. كما شاركت شيفرون في لقاءات (من بينها منتدى Gastech في ميلانو في سبتمبر) للتنسيق مع الوفود الجزائرية.
وقال أرديل، بحسب Energy Intelligence: “لقد تعلمنا الكثير خلال العقدين الماضيين: نوع الصخور، العمق، الضغط، وكيفية خفض تكاليف السلع وسلاسل الإمداد للوصول إلى أفضل بئر في فئته وإتمام ‘نمط التصنيع’ الذي يخفض المنحنيات التكلفية.”
إمكانية تسريع التصدير: أنابيب موجودة وسوق أوروبية متعطشة
يبرز التقرير أن ميزة جغرافية وبُنى تحتية قائمة تجعل الجزائر مرشحة للربح السريع من الموارد الجديدة: وجود ثلاثة خطوط أنابيب رئيسية قادرة على توجيه الغاز نحو السوق الأوروبية — وهي TransMed نحو إيطاليا، وMaghreb–Europe (GME) وMedgaz نحو إسبانيا — ما يسمح بتقليل زمن الوصول إلى الأسواق ومعالجة جانب من متطلبات التصريف التجاري دون انتظار مشاريع تسييل ضخمة جديدة.
دعمًا لذلك، ورد في التقرير أن الشبكة الأوروبية لمشغلي نقل الغاز (ENTSOG) قدّرت أن الغاز الشمالي الإفريقي مثّل نحو 10% من واردات الغاز الأوروبية خلال العام الأخير، فيما أظهرت بيانات شركة التحليل Kpler أن أوروبا استقبلت نحو 94% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الجزائرية خلال السنوات الخمس الماضية، ما يبرز الاعتماد الأوروبي الكبير على الغاز الجزائري كبديل جزئي للغاز الروسي.
الخبرة التقنية الأمريكية: نقل “نمط البرميان” إلى الصحراء
تسعى إكسون وشيفرون إلى تطبيق خبرتهما من حوض البرميان (Permian Basin) — حوض جاف في تكساس ونيو مكسيكو — حيث أصبح كل من الشركتين ينتجان أكثر من مليون برميل مكافئ نفط يوميًا. وتعتمد استراتيجية الشركتين على عناصر محددة يمكن نقلها إلى الجزائر: أساليب حفر متسلسلة سريعة، “نمط التصنيع” industrialized mode لتخفيض التكاليف، وإدارة سلسلة توريد متكاملة.
التفاصيل التقنية والمالية التي أوردها أرديل في المقابلة تضمنت توقعاته لخفض تكاليف حفر البئر الواحد من 25–30 مليون دولار حاليًا إلى ما بين 6 و8 ملايين دولار في حال نجاح تطبيق منظومة الإنتاج على نطاق واسع، اعتمادًا على العمق والظروف الجيولوجية. كما اقترح استخدام عناصر محلية مثل رمال الصحراء كعامل داعم (proppant) في عمليات التكسير بدلاً من الاعتماد المطلق على واردات باهظة التكلفة.
المعوقات البيئية والمياه: التزام بإدارة محفوفة بالحذر
أبرز التقرير المخاوف المحلية المتعلقة بالمياه: عمليات التكسير الهيدروليكي تتطلب كميات كبيرة من الماء، وهذا ما أثار احتجاجات في الجنوب وأدى سابقًا إلى توقُّف أنشطة بعض الشركات. للرد على ذلك، قال أرديل إن إكسون تعتزم تكرار استراتيجية البرميان التي تستهدف إعادة تدوير 90% من المياه المستخدمة والاعتماد على المياه المالحة قدر الإمكان، لتقليل الضغط على طبقات المياه العذبة في الصحراء. وأضاف أنه من الضروري “الوصول إلى هذا النهج منذ اليوم الأول لحماية البيئة الصحراوية الهشة.”
التوافق التقني مقابل التوافق التجاري: أين العقدة؟
نقلاً عن تصريح لـسمير بختي، رئيس هيئة تنظيم الطاقة الجزائرية “ألنافط (Alnaft)” لوكالة بلومبيرغ في أوت، يقول التقرير إن الطرفين (الجزائر والشركتان الأمريكيتان) أبديا توافقًا تقنيًا كبيرًا حول كيفية استخراج الغاز الصخري، لكن “المحاذاة التجارية لا تزال قيد التفاوض وسيتم الانتهاء منها قريبًا” — ما يجعل بندَي الشروط المالية والعائدات المحلية ومسائل الملكية واشتراطات المحتوى المحلي، عناصر حاسمة ومرشحة لتحديد مصير المشاريع.
فرص اقتصادية واستراتيجية للجزائر وأوروبا
يستعرض التقرير أن تطوّر الغاز الصخري في الجزائر قد يوفر للبلاد مصدرًا إضافيًا للإيرادات ويساعد في تنمية صناعات الغازات والهيدروجين، كما يوفّر لأوروبا بدائل حقيقية للغاز الروسي في سياق الأمن الطاقي. ومع ذلك يحذّر التقرير من أن النجاح يتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين الاستفادة الاقتصادية والحفاظ على البيئة، فضلاً عن مراعاة البعد الاجتماعي الذي أظهرته الاحتجاجات في الجنوب سابقًا.
ويخلص التقرير إلى أنّ الاحتياطات الجزائرية من الغاز غير التقليدي كبيرة جدًا (حوالي 700 Tcf) لدرجة أن كبرى الشركات العالمية لا يمكنها تجاهلها. الخبراء التنفيذيون في إكسون وشيفرون يرون أن خبرة السنوات الماضية، خصوصًا أساليب “التصنيع” التي طورت في البرميان، تسمح اليوم بطرح نموذج تجاري أكثر كفاءة من حيث التكلفة، مع إمكانيات لتقليل التأثير البيئي عبر استراتيجيات إعادة تدوير المياه واستخدام موارد محلية كالرمال. ومع وجود بنية تحتية تصديرية (TransMed، Medgaz، GME) وسوق أوروبية تبحث عن بدائل، فإن monetization سريعًا ممكن تقنيًا إذا ما حُسمت الشروط التجارية والضمانات البيئية والاجتماعية.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة