● تحليل | ماذا يعني للجزائر تحقيق سوناطراك 13 اكتشافًا نفطيًا جديدًا خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام؟
الجزائر – أعلن وزير الدولة، وزير المحروقات والمناجم، محمد عرقاب، اليوم السبت، أن مجمع سوناطراك تمكن من تحقيق 13 اكتشافًا نفطيًا جديدًا بين شهري جانفي وأوت المنصرمين، بفضل مجهوداته الذاتية وإمكاناته التقنية والبشرية.
جاء ذلك خلال جلسة استماع أمام لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، خُصصت لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026،
● من الأرقام إلى الدلالات
هذا الرقم يعكس تحوّلًا مهمًا في قدرة الجزائر على إعادة تمويل احتياطاتها الطاقوية ذاتيًا، مع اللجوء عند الحاجة فقط إلى الشراكات الأجنبية التي تمتلك تكنولوجيا متطورة جدًا، وبما يخدم المصالح الاستراتيجية الوطنية.
فالاكتشافات الذاتية تُترجم استقلالًا تقنيًا وماليًا متناميًا لمجمع سوناطراك، في وقت تتجه فيه الجزائر إلى تعزيز التحكم الوطني في مواردها الاستراتيجية كجزء من سياسة الأمن الطاقوي التي تُعد ركيزة أساسية في توجهات الدولة.
كما أن عرض النتائج أمام البرلمان بحسب المتابعين، يرمز إلى شفافية مالية جديدة تواكب إصلاحات ما بعد 2020.
● نشاط زلزالي مكثف وبنية تقنية متطورة
وأوضح الوزير عرقاب أن هذه الاكتشافات جاءت ثمرة لمجهودات مكثفة، تمثلت في إنجاز 7824 كيلومترًا مربعًا من النشاط الزلزالي ثنائي الأبعاد، و7768 كيلومترًا مربعًا من النشاط الزلزالي ثلاثي الأبعاد، ما يعكس حجم العمل الميداني والدقة التقنية التي باتت تميز سوناطراك في عمليات الاستكشاف.
وأشار إلى أن هذه النتائج ستُسهم في رفع الإنتاج الأولي من المحروقات خلال المرحلة المقبلة، بفضل تجديد الاحتياطيات وضمان استدامة تدفقات الطاقة الجزائرية.
● موقع استراتيجي متجدد للجزائر
ويرى عدد من المختصين ،بأن هذه المعطيات تضع الجزائر في موقع متميز داخل السوق المتوسطية والإفريقية للطاقة، خاصة في ظل اضطراب الإمدادات العالمية بعد الأزمات الجيوسياسية الأخيرة.
فرفع الإنتاج يتيح للجزائر تعزيز حضورها كمصدر موثوق، خصوصًا لأوروبا التي تبحث عن بدائل آمنة ومستقرة.
من جهة أخرى، توحي المعطيات الزلزالية الضخمة بانتقال سوناطراك من “سياسة رد الفعل” إلى “ استراتيجية استباقية”، تقوم على رسم خريطة دقيقة لمخزوناتها من أجل تأمين موقعها في سوق الطاقة المستقبلية.
● ارتفاع وتيرة الحفر ومؤشرات إنتاجية إيجابية
كما كشف عرقاب ،أن الشركة أنجزت أكثر من 466.156 مترًا في مجال الحفر الاستكشافي والتطويري بين يناير وأغسطس 2025، مقابل 405.273 مترًا خلال الفترة نفسها من سنة 2024، أي بارتفاع بلغ 15 بالمائة.
وأضاف أن عدد الآبار المنجزة بلغ 142 بئرًا مقابل 121 بئرًا بنهاية أوت من العام الماضي، ما يعكس تسارعًا في وتيرة المشاريع وارتفاعًا في القدرة الإنتاجية للشركة.
ارتفاع مؤشرات الحفر والاكتشافات يفسره خبراء الطاقة بأنه يُعدّ مؤشرًا مباشرًا على عودة الاستثمارات الوطنية في القطاع ،إلى منحنى تصاعدي بعد فترة من التباطؤ خلال السنوات السابقة.
كما أن هذا التوسع بحسب المختصين يعزز ثقة الأسواق والمؤسسات المالية الدولية في استقرار الاقتصاد الجزائري وقدرته على تمويل التنمية من موارده الذاتية.
كما أنه يُترجم عمليًا توجه الحكومة نحو تنويع الاقتصاد دون التخلي عن العمود الفقري الطاقوي، من خلال تطوير سلاسل القيمة المضافة في الغاز والنفط والبتروكيماويات.
● نحو رؤية طاقوية جزائرية 2030: من الاكتشاف إلى السيادة الاستراتيجية
تأتي هذه الاكتشافات الجديدة لتُعزّز مسارًا أعمق يتجاوز الأرقام التقنية نحو تحوّل استراتيجي شامل في العقيدة الطاقوية الجزائرية.
فسوناطراك لم تعد مجرد شركة إنتاج، بل أصبحت ذراعًا سيادية للدولة في رسم التوازنات الإقليمية والدولية للطاقة، ضمن رؤية 2030 التي تقوم على ثلاث ركائز رئيسية:
1_ رفع الإنتاج الوطني لتأمين الحاجيات الداخلية وتدعيم الصادرات،
2_ تنويع مزيج الطاقة بالانتقال التدريجي نحو الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر،
3_ تحويل الجزائر إلى محور عبور ومركز توزيع للطاقة في المتوسط وإفريقيا.
على المستوى الاقتصادي، تُمهّد هذه الديناميكية الطريق نحو استدامة مالية تُمكّن الجزائر من تمويل مشاريعها الاجتماعية والهيكلية الكبرى دون ارتهان للأسواق الخارجية.
فكل اكتشاف جديد يعني عمليًا زيادة في الإيرادات المستقبلية وتقليصًا في العجز التجاري، مما يمنح صانع القرار هامش مناورة أوسع في السياسة المالية.
● السيادة الطاقوية كورقة دبلوماسية
سياسيًا، فإن ما تقوم به الجزائر يعكس استعادة كاملة لسيادتها على مواردها الطبيعية بعد عقود من التبعية التقنية، ويُعيد تثبيت مكانتها كفاعل متوازن في معادلة الطاقة الدولية، خصوصًا في مواجهة التنافس الأوروبي والأمريكي والصيني على مصادر الغاز الإفريقي.
فكل اكتشاف جديد ليس مجرد بئر أو حقل، بل هو ورقة تفاوض إضافية في الدبلوماسية الطاقوية التي باتت اليوم أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية الجزائرية.
● الجزائر في قلب الجغرافيا الطاقوية الجديدة
استراتيجيًا، تشير هذه المؤشرات إلى أن الجزائر ومن خلال سوناطراك تتجه نحو تجديد نمط تموضعها الجيوطاقوي، بالاعتماد على تكنولوجيا وطنية وبكوادر جزائرية شابة.
وهذا التحول يندرج ضمن ما يمكن وصفه بـ”الجيل الثاني من السيادة الاقتصادية”، حيث لا تكتفي الدولة بالتحكم في الموارد، بل تبني قدرتها على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا التي تضمن استدامة تلك الموارد.
بات من الواضح جدا بأن إعلان الوزير محمد عرقاب ليس مجرد كشف عن نتائج ميدانية، بل إشارة سياسية قوية إلى دخول الجزائر مرحلة جديدة من الصلابة الاقتصادية والتأثير الاستراتيجي
فالاكتشافات الثلاثة عشر ليست نهاية الطريق، بل بداية لعقد طاقوي وطني جديد، عنوانه:
“من البئر إلى القرار، ومن الطاقة إلى السيادة.”
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة