يشهد مشروع السد الأخضر في الجزائر ولادة جديدة تحمل ملامح الإرادة الوطنية والعزيمة البيئية، فبعد عقود من التراجع والجمود، تعود الجزائر اليوم بقوة لإحياء هذا المشروع العملاق الذي يمثل أحد أكبر التحديات البيئية في تاريخها المعاصر، مستندة إلى رؤية طموحة تمتد إلى عام 2030، وإلى تعبئة مالية ضخمة تجاوزت 75 مليار دينار جزائري.
وحسب ما أوردته القناة الاذاعية الوطنية الأولى، عن بيانات المديرية العامة للغابات، فإن هذا المشروع التضخم قد سجل تشجير 26 ألف هكتار منذ استئناف العمل به في 29 أكتوبر 2023، وأن الجهود تتواصل بوتيرة متسارعة لإعادة بعث الحياة في قلب المناطق شبه الجافة، التي طالها التصحر خلال العقود الماضية.
جدير بالذكر أن مشروع السد الأخضر انطلق لأول مرة في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين خلال السبعينيات، كحلم وطني يرمي إلى صد زحف الصحراء نحو الشمال وحماية الأراضي الزراعية والقرى من التصحر. غير أن المشروع عرف مراحل من التراجع خلال الثمانينيات والتسعينيات، بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية التي عاشتها البلاد آنذاك. ومع مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حاولت السلطات إعادة إحياء الفكرة ضمن برامج التنمية الريفية المستدامة، لكنها لم تبلغ أهدافها المرجوة بسبب غياب التنسيق الميداني الكافي.
واليوم، وتحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تستعيد الجزائر روح المشروع بروح جديدة وأدوات حديثة تجمع بين التشجير، والاقتصاد الأخضر، و التنمية المحلية. فقد تم إطلاق المرحلة 2025 من البرنامج بميزانية تقدر بـ 11 مليار دينار، وبمشاركة 116 مؤسسة وطنية مكلفة بتشجير 19.253 هكتارا، وفتح 438 كيلومترا من المسالك الغابية، إضافة إلى حفر 112 بئرا وتثبيت الكثبان الرملية على مساحة تقارب 915 هكتارا.
كما يمتد الغطاء الغابي في الجزائر اليوم على مساحة 4.1 ملايين هكتار، أي ما يعادل 2 بالمئة من المساحة الإجمالية للبلاد و11 بالمئة من مساحة الشمال، بينما تسعى الدولة إلى بلوغ المعدل الدولي البالغ 16 بالمئة من الغطاء الغابي.
ولا يقتصر هدف الجزائر على زرع الأشجار فحسب، بل يتعداه إلى بناء توازن بيئي واقتصادي مستدام، من خلال غرس أنواع مقاومة للجفاف ومثمرة مثل الزيتون واللوز والفستق الحلبي، ما يمنح للسد الأخضر بعدا إنتاجيا يساهم في دعم الاقتصاد الريفي وتثبيت السكان في مناطقهم.
وبهذا النفس الجديد، لا تكتفي الجزائر بإعادة إحياء السد الأخضر، بل تعلن ثورة خضراء شاملة تمزج بين إرث الماضي ورهانات المستقبل، لتعيد رسم حدود الأمل بين الصحراء والحياة.
@ آلاء عمري
المصدر:
الإخبارية