آخر الأخبار

العلاقات الجزائرية _الفرنسية في مفترق طرق حقيقي بسبب هذه الملفات

شارك
بواسطة محمد بلقور
صحفي جزائري مختص في الشأن الوطني .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

الجزائر الآن _ تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية في الآونة الأخيرة توتراً سياسياً ودبلوماسياً متصاعداً، بعد أن أعادت باريس فتح ملف اتفاقية الهجرة لعام 1968 للنقاش داخل البرلمان الفرنسي، بدعوى أنها أصبحت تمثل عبئاً مالياً وإدارياً على الدولة.

ويقود هذه الخطوة نواب من اليمين واليمين المتطرف، في مقدمتهم إريك سيوتي وغيوم بيغو، معتبرين أن الاتفاقية فقدت مبررها التاريخي وأن الوقت حان لمراجعة أسس العلاقة التي تربط البلدين منذ استقلال الجزائر عام 1962.

يستند هؤلاء النواب إلى تقرير برلماني أعده النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر، قدر كلفة الاتفاقية بنحو ملياري يورو سنوياً نتيجة الامتيازات التي يتمتع بها المهاجرون الجزائريون، مقارنة بغيرهم من الجنسيات الأجنبية.

ويعتبر أصحاب هذا الطرح أن إلغاء هذه الامتيازات سيعيد “التوازن” إلى سياسة الهجرة الفرنسية، ويُنهي ما يسمونه “تمييزاً إيجابياً غير مبرر”.

غير أن توقيت إعادة طرح الملف لا يبدو بريئاً، إذ يأتي في سياق تصاعد الخطاب اليميني والشعبوي في فرنسا، حيث تتحول قضايا الهجرة والهوية إلى مادة انتخابية أساسية تستغلها الأحزاب المتطرفة لحشد الناخبين واستثمار المخاوف الاجتماعية والسياسية.

في المقابل، ترى الجزائر أن ما يحدث يتجاوز المسائل القانونية أو التقنية، ليكشف عن تحول سياسي في المقاربة الفرنسية تجاهها، تقوم على تغليب منطق المصلحة الآنية على روح الشراكة التاريخية.

مصدر الصورة

وتؤكد الجزائر أن اتفاقية 1968 أُفرغت من مضمونها منذ عقود، بعد أن فرضت فرنسا التأشيرة على الجزائريين عام 1986 وأدخلت تعديلات متتالية قلّصت من امتيازات العمال والمقيمين الجزائريين.

● بوغرارة: إعادة فتح اتفاقية الهجرة محاولة فرنسية للهروب من أزماتها الداخلية

قال الإعلامي والأكاديمي حكيم بوغرارة لصحيفة الجزائر الآن الإلكترونية بأنّ إعادة فتح ملف اتفاقية الهجرة المبرمة بين الجزائر وفرنسا في ديسمبر 1968، تأتي في سياق محاولة باريس صرف أنظار الرأي العام الفرنسي عن الأزمات الداخلية الخانقة التي تعيشها البلاد، وعلى رأسها التراجع الاقتصادي والعجز الكبير في الميزانية العامة.

وأوضح بوغرارة أن هذه الاتفاقية التي تم تعديلها أربع مرات منذ توقيعها، فقدت مضمونها الأصلي، ولم تعد تمنح الجزائريين أي امتيازات في الإقامة أو العمل كما كانت في السابق، مضيفاً أن “الجزائر لا تتحسس من الاتفاقية، لكنها ترفض أي منطق للابتزاز أو المساومة أو الإهانة، لأن التعامل في مثل هذه الملفات يجب أن يكون وفق الأعراف الدولية واتفاقية فيينا التي تنص على أن تعديل أو إلغاء الاتفاقيات يكون بالتفاوض لا بقرارات أحادية الجانب”.

وأكد المتحدث أن الخطوة الفرنسية أحادية الجانب تُسجَّل على باريس، وتعبّر عن ارتباك سياسي ومحاولة للهروب إلى الأمام، مشيراً إلى أن الجزائر “تتعامل بمنطق الندية والمعاملة بالمثل، وقد أثبتت ذلك سابقاً حين ألغت اتفاقية التأشيرات بكل سيادة ونشرت القرار في الجريدة الرسمية”.

وردّاً على تصريحات فرنسية تتحدث عن أن الاتفاقية تُكلّف الخزينة الفرنسية ما يقارب 2 مليار يورو سنوياً، قال بوغرارة إن ذلك “ليس من شأن الجزائر”، مضيفاً أن على فرنسا أن تتحدث عن “التكاليف الحقيقية لماضيها الاستعماري”، من تفجيرات نووية مدمّرة وتجارب كيميائية ومجازر أودت بحياة نحو سبعة ملايين جزائري، وهي جرائم لا تُقدّر تعويضاتها بثمن.

وأشار بوغرارة إلى أن فرنسا “تحاول التهرب من مسؤولياتها التاريخية تجاه الجزائر” عبر افتعال ملفات جانبية، بينما الجزائر الجديدة، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تسير بثبات نحو “تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع مختلف الأقطاب الدولية بعيداً عن أي تبعية أو وصاية ووفقا لمبدأ الندية والتعامل بالمثل.

وختم الأكاديمي تصريحه بالقول إن “إحياء هذا الملف في هذا التوقيت سيزيد العلاقات الجزائرية–الفرنسية توتراً”، مؤكداً أن “فرنسا التي تواجه اليوم أزمة داخلية حادة وعجزاً متفاقماً في ميزانيتها، باتت كديك مذبوح يفتعل سيناريوهات وهمية، متناسية أن من ساهم في بناء اقتصادها وصناعتها هم أبناء الجالية الجزائرية الذين قدّموا الكثير لفرنسا، بينما هي اليوم تتنكر لجميلهم”.

● الموقف الجز ائري واضح

مصدر الصورة

في بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج بتاريخ 27 فبراير 2025، أكدت الجزائر موقفها الرسمي من المستجدات المتعلقة باتفاقية الهجرة الموقّعة مع فرنسا سنة 1968، مبرزةً “التزامها بضبط النفس والهدوء” رغم محاولات التصعيد الفرنسية.

لكنها شددت في المقابل على أنها “لن تتردد في تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل” إذا ما استمرت باريس في انتهاج سياسة الضغط أو الإملاء .

وحملت الجزائر فرنسا المسؤولية الكاملة عن التوتر الراهن، مؤكدة أنها ستواصل الدفاع عن حقوق مواطنيها في فرنسا وفق التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، بعيداً عن أي انتقائية أو ازدواجية في التعامل.

وأبرز البيان أن الدبلوماسية الجزائرية، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، تنتهج مقاربة متزنة قائمة على السيادة، الندية، والحوار الهادئ، في مواجهة محاولات باريس إعادة تعريف العلاقة الثنائية من زاوية أمنية ضيقة.

● تحوّل في الرؤية الفرنسية وتراجع للاعتبارات التاريخية ..أزمات متراكمة وتباين في الرؤى

يرى المراقبون أن الخطوة الفرنسية الأخيرة لا تنفصل عن توجّه سياسي جديد يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع الجزائر على أساس المصلحة الأمنية وملف الهجرة، مع تراجع واضح للاعتبارات التاريخية والإنسانية التي شكلت قاعدة التفاهم بين البلدين منذ اتفاقيات إيفيان 1962.

هذه الاتفاقيات التي أرست الاعتراف الفرنسي بحق الجزائريين في معاملة خاصة، تمثل الإطار القانوني والسياسي الذي انبثقت عنه اتفاقية 1968، ومن ثم فإن المساس بها يعني عملياً إلغاء أحد آخر الجسور الرمزية لذاكرة مشتركة ما زالت تلقي بظلالها على حاضر البلدين.

لا يمكن النظر إلى الأزمة الحالية بمعزل عن سلسلة الملفات التي عمّقت الفجوة بين الجزائر وباريس في السنوات الأخيرة؛ بدءاً من قضية الكاتب بوعلام صنصال وما اعتُبر تدخلاً فرنسياً في الشأن الداخلي الجزائري، مروراً بملف التأشيرات ورفض استقبال المرحّلين، وصولاً إلى الموقف الفرنسي المنحاز للمغرب في قضية الصحراء الغربية.
هذه الملفات تعكس – بحسب المتابعين – تبايناً بنيوياً في الرؤى الاستراتيجية بين البلدين، لاسيما في ما يتعلق بملفات الأمن الإقليمي، والهجرة، والسياسة المتوسطية.

رؤية جزائرية بعنوان : دبلوماسية السيادة والتوازن

في مقابل هذا المنحى الفرنسي، تتبنى الجزائر رؤية دبلوماسية عقلانية تستند إلى فلسفة الرئيس عبد المجيد تبون في إدارة العلاقات الخارجية، والتي تقوم على ثلاثة مرتكزات:
1. الندية في التعامل دون تبعية أو خضوع لأي إملاءات.
2. الاحترام المتبادل كأساس لاستمرارية الشراكة.
3. المعاملة بالمثل كأداة دفاع مشروعة عن السيادة الوطنية.

من هذا المنطلق، تتعامل الجزائر اليوم مع فرنسا كدولة ذات سيادة كاملة ومستقلة القرار، لا كملف امتداد للماضي الاستعماري أو رهينة لاعتبارات سياسية ظرفية.

وتؤكد القيادة الجزائرية أن أي علاقة متوازنة يجب أن تقوم على المصالح المشتركة لا على الإرث الاستعماري أو الحسابات الانتخابية الفرنسية.
من إيفيان إلى اليوم: ذاكرة التاريخ ومعادلة المصالح
اتفاقية 1968 ليست مجرد نص قانوني ينظم الهجرة، بل هي امتداد سياسي مباشر لاتفاقيات إيفيان التي أنهت حقبة الاستعمار وفتحت صفحة جديدة من التعاون بين البلدين. ومن ثم، فإن المساس بها اليوم يعكس تحولاً في الرؤية الفرنسية تجاه الجزائر، من شريك استراتيجي ذي مكانة خاصة إلى دولة يُنظر إليها من منظور أمني ضيق، تُختزل العلاقة معها في قضايا المهاجرين والحدود.

● مفترق طرق حقيقي في العلاقات الثنائية

مهما كانت نتائج النقاش البرلماني الفرنسي المرتقب، فإن العلاقات بين الجزائر وفرنسا تقف اليوم عند مفترق طرق حقيقي ، إما العودة إلى منطق الشراكة المتكافئة المبنية على الحوار والاحترام المتبادل، أو الانزلاق نحو مرحلة جديدة من التوتر والقطيعة الجزئية.

في المقابل، تؤكد الجزائر – من خلال مواقفها المتزنة – أنها لن تسمح لأي طرف بتقويض أسس التعاون التاريخي أو توظيف العلاقات الثنائية في رهانات سياسية داخلية.

فالرئيس تبون، الذي جعل من السياسة الخارجية أداة لحماية السيادة وترسيخ المكانة الإقليمية للجزائر، يسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص، وتثبيت مبدأ أن الجزائر لا تُدار من الخارج، بل من مركز قرارها الوطني المستقل .

وهكذا، فإن الأزمة الراهنة ليست سوى اختبار للنوايا الفرنسية في تجاوز عقد الماضي وبناء علاقة متوازنة قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة مع الجزائر، بعيداً عن منطق الإملاءات أو الحسابات الظرفية.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا