آخر الأخبار

دلالات وخلفيات زيارة وزير الداخلية الإسباني للجزائر..خبير في العلاقات الدولية والشؤون الأورو-متوسطية يشرح

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

دلالات وخلفيات زيارة وزير الداخلية الإسباني للجزائر..خبير في العلاقات الدولية والشؤون الأورو-متوسطية يشرح

الجزائرالٱن _ في خطوة تعكس رغبة إسبانية جادة في إعادة بناء جسور الثقة مع الجزائر، يحل وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا غوماز ، غدا الإثنين، بالجزائر في زيارة رسمية تعتبر الأولى من نوعها لمسؤول إسباني رفيع المستوى منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في مارس 2022. الزيارة التي تأتي بعد مرور أكثر ثلاث سنوات من الأزمة، تطرح العديد من التساؤلات حول دوافع هذا التقارب وأبعاده الاستراتيجية.

مصدر الصورة

في قراءة تحليلية لهذه التطورات، يشرح الدكتور كريم بن علي، الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الأورو-متوسطية، في تصريحات حصرية لصحيفة “الجزائر الآن” الإلكترونية، الخلفيات والدلالات العميقة لهذه الزيارة.

مارس 2022: كيف دفع موقف سانشيز من الصحراء الجزائر إلى تجميد العلاقات

يعود الدكتور بن علي بالذاكرة إلى بداية الأزمة، موضحاً: “شهدت العلاقات الجزائرية-الإسبانية انهياراً مفاجئاً في مارس 2022 عندما أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، متخلياً بذلك عن سياسة الحياد التاريخية التي انتهجتها مدريد لعقود طويلة”.

ويضيف: “اعتبرت الجزائر هذا الموقف انقلاباً مفاجئاً ينسف أسس الشرعية الدولية ويهدد الاستقرار الإقليمي. رد الفعل الجزائري كان حاسماً وسريعاً: سحب السفير من مدريد، تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقعة منذ 2002، وتجميد كافة العمليات التجارية مع إسبانيا باستثناء قطاع الطاقة”.

ملف الهجرة غير الشرعية يتصدر أولويات مدريد

حول دوافع التقارب الإسباني الحالي، يقول الدكتور بن علي: “إسبانيا تدرك اليوم أن مغامرة الانحياز للموقف المغربي كلفتها ثمناً باهظاً على المستويات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية. الزيارة الحالية لوزير الداخلية الإسباني وتركيبة الوفد المرافق له تكشف عن الأولويات الإسبانية بوضوح”.

ويوضح الخبير في العلاقات الدولية: “الوفد الإسباني يضم كبار المسؤولين الأمنيين المتخصصين في ملفات الهجرة والحدود، مثل المفوض العام للهجرة والحدود جوليان أفيلا، ورئيس قيادة شرطة الحدود والبحرية للحرس المدني مانويل نافاريتي. هذا التكوين يشي بأن الملف الأمني، وخاصة مكافحة الهجرة غير الشرعية، يتصدر أجندة مدريد”.

ويضيف: “إسبانيا تواجه ضغوطاً متصاعدة نتيجة تدفق المهاجرين عبر سواحل سبتة والجزر الإسبانية. مدريد تدرك أن التعاون مع الجزائر، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي وإمكانياتها الأمنية، أساسي لضبط هذه التدفقات. الجزائر كانت ولا تزال شريكاً فاعلاً في مكافحة الشبكات الإجرامية المتخصصة في تهريب البشر”.

سوق الغاز الجزائري فرصة ثانية للشركات الإسبانية

على الصعيد الاقتصادي، يشير الدكتور بن علي إلى أن “إسبانيا خسرت شريكاً تجارياً مهماً خلال فترة القطيعة. الجزائر سوق واعدة ومصدر استراتيجي للطاقة، وإسبانيا تستورد نحو 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من الجزائر. مع التحولات الجيوسياسية الراهنة، خاصة في ظل أزمة الطاقة العالمية، تسعى مدريد لإعادة تفعيل شراكتها الطاقوية مع الجزائر”، خاصة مع استحواذ إيطاليا على أغلب اتفاقيات الطاقة مع الجزائر.

ويتابع: “استئناف العلاقات التجارية، الذي بدأ فعلياً في نوفمبر 2024 بعد تعميم البنك المركزي الجزائري، يفتح الباب أمام إعادة تفعيل المشاريع الاستثمارية المشتركة، خاصة في قطاعات الطاقات المتجددة والصناعات التحويلية والسياحة”.

الجزائر: حائط الصد الاستراتيجي ضد تهديدات الساحل

في السياق الأمني، يؤكد الخبير في العلاقات الثنائية: “الجزائر تمثل حائط صد استراتيجياً أمام التهديدات الأمنية المنبعثة من منطقة الساحل الإفريقي. التعاون الجزائري-الإسباني في مكافحة الإرهاب، تبادل المعلومات الاستخباراتية، مواجهة شبكات تهريب المخدرات والأسلحة، واسترداد الأموال المنهوبة، كلها ملفات حيوية لا يمكن لمدريد تجاهلها”.

ويضيف: “تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب والتطرف، وشبكاتها الأمنية المتطورة، تجعلها شريكاً لا غنى عنه لإسبانيا وللاتحاد الأوروبي ككل في تأمين الحدود الجنوبية للقارة العجوز”.

لماذا قبلت الجزائر التقارب دون التراجع عن موقفها من الصحراء؟

حول كيفية تعامل الجزائر مع هذا التحول الإسباني، يوضح الدكتور بن علي: “الجزائر تتعامل مع هذا الملف بحكمة وبراغماتية، لكن دون التخلي عن ثوابتها. الجزائر قبلت التقارب التدريجي مع إسبانيا انطلاقاً من مصالحها الوطنية ورغبتها في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، لكنها في الوقت نفسه أوضحت أن هذا التقارب لا يعني تراجعها عن موقفها من قضية الصحراء الغربية”.

ويشرح: “الجزائر اختارت أن تجمد معاهدة الصداقة وحسن الجوار ولم تلغها، وهذا يعكس رؤية استراتيجية بأن العلاقات قابلة للترميم متى توفرت الإرادة السياسية والاحترام المتبادل. زيارة وزير الداخلية الجزائري السابق إبراهيم مراد إلى مدريد في فيفري 2025 شكلت نقطة تحول مهمة في إعادة بناء الثقة”.

هل ستعود مدريد إلى الحياد أم تواصل اللعب على الحبلين؟

بالنظر إلى المستقبل، يرى الدكتور بن علي أن “العلاقات الجزائرية-الإسبانية تسير في الاتجاه الصحيح، لكن ذلك يتطلب من الجانب الإسباني المزيد من الوضوح والشفافية. إسبانيا مطالبة بإرسال رسائل طمأنة للجزائر حول احترام الشرعية الدولية في قضية الصحراء الغربية، دون أن يعني ذلك بالضرورة العودة إلى نقطة الصفر في علاقاتها مع المغرب”.

ويضيف: “الجزائر لا تطلب من إسبانيا أن تقطع علاقاتها مع المغرب، بل تطالبها بالعودة إلى سياسة الحياد واحترام قرارات الأمم المتحدة. هذا هو الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه علاقات متينة ومستدامة بين الجزائر وإسبانيا”.

الجزائر تفرض معادلة جديدة: لا تجاهل بعد اليوم

في ختام تحليله، يؤكد الخبير في العلاقات الثنائية لـ”الجزائر الآن”، أن “زيارة وزير الداخلية الإسباني إلى الجزائر تحمل دلالات تتجاوز الملفات الأمنية والهجرة. إنها تعبير عن إدراك إسباني متأخر بأن الجزائر ليست مجرد شريك عابر، بل فاعل إقليمي محوري لا يمكن تجاهله في أي معادلة استراتيجية متوسطية”.

ويختم قائلاً: “الجزائر أثبتت مرة أخرى أن دبلوماسيتها الهادئة والحازمة في آن واحد قادرة على فرض احترام مواقفها. التقارب الحالي مع إسبانيا نموذج لكيفية إدارة الأزمات الدبلوماسية بحكمة وصبر استراتيجي، مع الحفاظ على الكرامة الوطنية والمصالح العليا للبلاد”.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا