آخر الأخبار

بين رؤية الرئيس تبون ومهام الوزير الأول سيفي: الميدان كخيار استراتيجي لبناء الجزائر الصاعدة

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

الجزائر الآن _ في سياق وطني يتطلب ديناميكية فعلية وتفاعلًا مباشرًا مع واقع التنمية، تكتسب الزيارات الميدانية التي يقودها الوزير الأول سيفي غريب طابعًا استثنائيًا، يعكس تحوّلًا واضحًا في منهجية إدارة الشأن التنفيذي.

وعلى خلاف أسلوب أسلافه الذين غالبًا ما اكتفوا بالمقاربة المركزية، يراهن الوزير الأول على القرب من الميدان كأداة عملية لإعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن.

هذا التوجه الميداني لا يُقرأ فقط كخيار إداري، بل كموقف سياسي واستراتيجي يُجسّد قناعة راسخة بأن تحقيق رؤية رئيس الجمهورية الطموحة للجزائر 2027 يمرّ حصرًا عبر الفعل الواقعي لا الخطاب.

مصدر الصورة

وتأتي تواصل الزيارات الميدانية للوزير الأول سيفي غريب إلى مختلف ولايات الوطن، بحسب المتابعين ،في إطار مسعى حكومي يهدف إلى بعث المشاريع المتوقفة والمصادرة وتجسيد رؤية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لبناء اقتصاد وطني متنوع وقوي.

وبعد زياراته الأخيرة إلى جيجل والمسيلة، حلّ الوزير الأول، اليوم الخميس 16 أكتوبر، بولاية الشلف، حيث وقف على عدد من المشاريع الصناعية الهامة وأشرف على تسليم رخص استيراد 10 آلاف حافلة جديدة، تنفيذًا للقرار التاريخي لرئيس الجمهورية الرامي إلى تجديد حظيرة النقل العمومي.

وتأتي هذه التحركات في سياق تعزيز السيادة الاقتصادية للجزائر، والحد من التبعية للأسواق الخارجية.

كما تعكس هذه الزيارات سياسة الدولة في تقوية العمق التنموي للمناطق الداخلية، تحقيقًا لتوازن إقليمي فعّال.

ومن منظور استراتيجي، فإن تكثيف المتابعة الميدانية يهدف إلى ترسيخ الحكم الرشيد وتوطيد العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن.

مصدر الصورة


* استئناف نشاط مصنع “دايو” وتجديد الحظيرة الوطنية للحافلات

كانت أولى محطات الزيارة مصنع تركيب الحافلات والشاحنات التابعة للعلامة الكورية الجنوبية “دايو” ببلدية أم الدروع، الذي استأنف نشاطه بعد سنوات من التوقف.

ويُعتبر هذا المصنع، التابع لشركة “بنغ بو الجزائر”، من أهم المشاريع التي أعيد بعثها في سياق الخطة الوطنية لتجديد حظيرة النقل عقب الحادث المأساوي في وادي الحراش بالعاصمة منتصف أوت الماضي.

وأكد الوزير الأول أن المصنع سيتكفل في مرحلته الأولى باستيراد 1000 حافلة ضمن عملية وطنية لاستيراد 10 آلاف حافلة، وفق دفتر شروط أعدته وزارة الصناعة، مشددًا على أن هذه العملية ستُسهم في تحريك عجلة التصنيع المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد.

وتُعتبر هذه الخطوة امتدادًا لسياسة أمن اقتصادي شامل، يُراعي الاحتياجات الداخلية ويؤسس لبنية تحتية مستقلة في مجال النقل.

مصدر الصورة

كما تمثل هذه المشاريع الصناعية المتجددة ركيزة لاستراتيجية الجزائر ما بعد المحروقات، في ظل التحديات الجيو-اقتصادية الإقليمية. ويؤشر توطين الإنتاج الصناعي بهذا الشكل إلى توجه واضح نحو الاكتفاء الذاتي وتصدير القيمة المضافة.

ويقع المصنع على مساحة 6 هكتارات، ويشغّل 530 عاملاً، من بينهم 320 بعقود دائمة، مع توقعات بخلق 600 منصب شغل جديد مستقبلاً. وتبلغ طاقته الإنتاجية 25 شاحنة و15 حافلة يوميًا، في حين تعمل الإدارة على رفع نسبة الإدماج المحلي تدريجيًا من 5 إلى 40 بالمائة في الحافلات، ومن 10 إلى 70 بالمائة في الشاحنات.

وفي تصريحاته بالمصنع، شدد الوزير الأول على ضرورة الدقة في تحديد نسب الإدماج ورفعها تدريجيًا، مؤكدًا: “لا نريد تكرار أخطاء الماضي في مسألة الإدماج. كل قطعة تُصنع محليًا هي مشروع لمؤسسة صغيرة، وسنعمل دون انقطاع لتحقيق الأهداف المرسومة”.

مصدر الصورة

هذا التصريح يُعيد التأكيد على أهمية بناء قاعدة صناعية تنافسية قادرة على مقاومة الضغوطات الخارجية.

كما يعكس وعيًا حكوميًا متقدّمًا بضرورة خلق منظومة صناعية متكاملة تُشرك القطاع الخاص والمؤسسات الناشئة.

ومن جهة أخرى، يُعد رفع الإدماج المحلي عنصرًا جوهريًا في حماية الاقتصاد الوطني من التذبذبات العالمية في سلاسل الإمداد.


* بعث المشاريع المصادرة وإحياء الصناعة الغذائية

كما تفقد الوزير الأول المركب الصناعي التجاري “كابتان” (CAPTEN) ببلدية تنس، المتخصص في تعليب الأسماك والتونة، والذي تمت مصادرته سابقًا واسترجعته الدولة ضمن تعليمات رئيس الجمهورية المتعلقة بإعادة تأهيل الأصول الصناعية.

وقد أُلحق المركب سنة أوت 2024 بالشركة القابضة “أغروديف”.

وخلال معاينته، شدد الوزير الأول على ضرورة تسريع عملية توسعة الوحدة الصناعية وإعداد ورقة طريق خلال الأسبوع المقبل تتضمن آجال الإنجاز والأرصدة المالية وآفاق الشراكة المستقبلية، مؤكدًا أهمية الاعتماد على الموارد المحلية واستغلال الاتفاقيات مع موريتانيا لضمان وفرة المواد الأولية.

ويأتي هذا التوجه في إطار خطة استراتيجية لإعادة توظيف الثروات المصادرة وتحويلها إلى أدوات دعم اقتصادي وخلق الثروة.

كما يؤكد أن إعادة هيكلة هذه الأصول تصبّ في مسار استرجاع الاقتصاد الوطني من قبضة شبكات الريع غير الشرعي.

وعلى الصعيد الإقليمي، فإن التوجه نحو الشراكات الإفريقية يعكس رؤية الجزائر لتعزيز عمقها الاقتصادي القاري.

ويضم مركب “كابتان” أربعة خطوط إنتاج، اثنان منها مخصصان للسردين بقدرة تتراوح بين 5 و6 أطنان كل ثماني ساعات، وخطان لتعليب التونة بقدرة بين 3 و5 أطنان، ما يجعله أحد أهم المشاريع الداعمة للصناعة الغذائية الوطنية.

وبحسب المكلف بتسيير مديرية الصناعة بالولاية بن علي بوزيدي، فإن عدد المؤسسات الناشطة في الشلف تجاوز 6900 مؤسسة، فيما ارتفع النسيج الصناعي بنسبة 3 بالمائة خلال سنة 2025، بفضل التسهيلات الحكومية الموجهة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

هذا التطور يعكس إيمان الدولة العميق بدور المؤسسات المحلية في بناء منظومة اقتصادية مرنة ومتوازنة.

كما أن منح الثقة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يُعد محورًا استراتيجيًا لتقليص البطالة وضمان الاستقرار الاجتماعي.

ومن ناحية أخرى، يعكس التوسع الصناعي المحلي توجهًا حاسمًا نحو تنويع الاقتصاد وتحصينه من الأزمات العالمية.


* التزام حكومي ببناء صناعة وطنية حقيقية

وفي كلماته خلال الزيارة، شدد سيفي غريب على أن الحكومة تسعى إلى تجسيد رؤية الشهداء في بناء الجزائر المنتصرة من خلال دعم الاستثمار المنتج وبعث المشاريع المجمدة والمصادرة.

وقال في هذا السياق: “نحن نعمل على بعث الاستثمار والتخفيف من عبء فاتورة الاستيراد، مع الاعتماد على المناولة الوطنية لبناء صناعة ميكانيكية قوية قادرة على المنافسة والإنتاج المستدام”.

ويمثل هذا التصريح تأكيدًا على أن بناء الاقتصاد الوطني هو امتداد للمشروع التحرري السياسي، وتجسيد فعلي لسيادة القرار الاقتصادي.

كما يعكس إدراكًا رسميًا بأن الاستقلال الاقتصادي هو الدرع الأهم في مواجهة الضغوط الدولية.

وفي السياق ذاته، فإن دعم المناولة الوطنية يُعد استراتيجية ذكية لتوطين التكنولوجيا وتعزيز رأس المال البشري المحلي.

وأضاف الوزير الأول أن الدولة تسهر على مرافقة المستثمرين الجادين وتوفير الظروف الملائمة لإعادة تشغيل المصانع وتعزيز قدراتها الإنتاجية، مؤكدًا أن هذه الديناميكية الميدانية تأتي تنفيذًا لتعليمات رئيس الجمهورية الرامية إلى بناء صناعة وطنية حقيقية في مختلف القطاعات.

ويُظهر هذا الالتزام بوضوح أن التحول الصناعي ليس شعارًا ظرفيًا، بل خيارًا استراتيجيًا يندرج ضمن رؤية متكاملة للتنمية.

كما يعكس أن الدولة تتحول من دور الرقيب إلى دور الشريك في المسار الاستثماري، مما يُعيد الثقة للقطاع الخاص.

وهذه الديناميكية تترجم وعيًا بأهمية تحويل الإرادة السياسية إلى قرارات عملية تلامس الواقع.


* رسالة ميدانية واضحة: لا صناعة بلا متابعة

بزيارته الثالثة في أقل من شهر، بعد جيجل والمسيلة، يواصل الوزير الأول سيفي غريب تأكيد نهجه القائم على المتابعة الميدانية وإعادة الثقة إلى الفعل الاقتصادي.

وتُجسد جولاته المكثفة رغبة الحكومة في تحويل القرارات إلى مشاريع ملموسة على الأرض، بما يخدم المواطن ويدعم مسار الجزائر الجديدة المنتصرة بإرادة أبنائها.

وتُعد هذه الزيارات رسالة استراتيجية موجهة إلى الفاعلين الاقتصاديين بأن زمن الجمود قد انتهى وأن زمن الفعل قد بدأ.

كما تؤكد أن الحكومة تعتمد على الآليات الميدانية لرصد الأداء وتقييم النتائج، بعيدًا عن البيروقراطية التقليدية.

ومن منظور أوسع، فإن هذا الانخراط الميداني يُعزز من مصداقية الدولة ويُعيد رسم علاقتها بالمجتمع الاقتصادي كحاضنة لا كمراقب.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا