تراجع الجزائر يربك سوق القمح الفرنسي ويكشف أزمة تصدير حادة
الجزائرالٱن _ تواجه فرنسا، أكبر منتجٍ للقمح داخل الاتحاد الأوروبي، أزمة حقيقية في تسويق محاصيلها، بعدما تراجعت الجزائر — أحد أكبر زبائنها التقليديين — عن استيراد القمح الفرنسي، ما تسبب في تراكم مخزون قياسي هو الأعلى منذ عشرين سنة، وفاقم من معاناة المزارعين والشركات الزراعية الفرنسية.
الجزائر تغيّر وجهة استيرادها… وفرنسا تدفع الثمن
يشير محللون إلى أن الطلب الجزائري على القمح الفرنسي تراجع بشكل حاد خلال العام المنقضي، وهو ما أرجعوه إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس، إلى جانب توجه الجزائر نحو تنويع مصادر توريدها من روسيا ودول أخرى بأسعار أقل.
هذا التراجع، إلى جانب انخفاض الطلب الصيني، أدى إلى فائض سنوي يقدّر بأربعة ملايين طن لدى فرنسا، مما جعلها تواجه مأزقاً تصديرياً لم تعرفه منذ عقدين.
خسائر في الأسعار وضغوط على الفلاحين
بسبب هذا الفائض ووفرة الإمدادات في السوق العالمية، انهارت أسعار القمح اللين الأوروبي إلى أدنى مستوى في خمس سنوات، وهو ما انعكس مباشرة على دخل المزارعين الفرنسيين الذين يواجهون أصلاً منافسة قوية من منتجين في شرق أوروبا بأسعار أرخص.
وقال المحلل ماكسنس ديفيليي من شركة “أرغوس” لتحليل السلع: “المشكلة الكبرى هي أن السوق الجزائرية لا يمكن تعويضها بسهولة، فهي كانت المنفذ الأكثر استقراراً للقمح الفرنسي”.
فائض غير مسبوق رغم محاولات الإنقاذ
خلال الموسم السابق، كان تراجع الصادرات أقل حدة بسبب ضعف الإنتاج، غير أن تحسّن الحصاد هذا العام جعل الأزمة تتفاقم. ويتوقع الخبراء أن ترتفع الصادرات الفرنسية إلى 7 أو 8 ملايين طن في موسم 2025/2026، لكنها لن تكفي لامتصاص فائض الإنتاج، ما سيرفع المخزون إلى ما بين 3.5 و4 ملايين طن — وهو أعلى مستوى له منذ 21 عاماً.
محاولات للتعويض في أسواق جديدة
تحاول باريس إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر التوجه إلى أسواق بديلة، إذ تمكنت من بيع نحو 200 ألف طن في أوت الماضي، وشحنت كميات محدودة نحو بنغلادش وتايلاند. كما استفادت مؤقتاً من تعثر الصادرات الروسية لزيادة مبيعاتها إلى مصر والمغرب، حيث تتوقع رابطة الحبوب الفرنسية أن ترتفع الشحنات إلى المغرب إلى 3.5 ملايين طن هذا الموسم، مقابل 1.5 مليون طن فقط في الموسم السابق.
أزمة قمح تكشف أزمة سياسة
ورغم هذه المحاولات، يبدو أن فقدان السوق الجزائرية ترك فراغاً لا يمكن تعويضه سريعاً، مما يضع فرنسا أمام مأزق اقتصادي جديد يضاف إلى سلسلة أزمات تعصف بقطاعها الزراعي. فالأزمة، كما يصفها الخبراء، ليست أزمة إنتاج، بل أزمة علاقاتٍ وتقديرٍ لمكانة الجزائر في الخارطة التجارية الفرنسية.