وزير الداخلية الفرنسي الجديد: رهان على التغيير أم تكريس للأزمة؟
الجزائرالٱن _ يُمثل تعيين لوران نونيز في حقيبة الداخلية الفرنسية نقطة تحول محتملة في العلاقات الأمنية بين باريس والجزائر، لكن المؤشرات الأولية لا تبشر بفك الاشتباك .
براغماتية سياسية أم اختيار إيديولوجي؟
لم يكن خروج روتايو من المشهد الحكومي مفاجئًا. فالرجل يُعيد ترتيب أوراقه الانتخابية بعيدًا عن الضغوط اليومية للحكومة. لكن السؤال الجوهري: لماذا نونيز بالتحديد؟
الإجابة تكمن في ثلاثة عوامل :
أولًا، الرجل يحمل إرثًا عائليًا من “ الأقدام السوداء “، وهو ما يُعتبر في الأوساط السياسية الفرنسية “ضمانة” لعدم التراخي مع الجزائر في الملفات الحساسة .
ثانيًا، سجله الأمني الطويل يجعله “تقنوقراطيًا” قادرًا على إدارة التوتر دون الانجرار للتصعيد السياسي المباشر، على عكس روتايو الذي كان يستخدم الملف الجزائري كورقة انتخابية .
ثالثًا، قربه من دارمانان يعني أنه جزء من “المدرسة الأمنية الصلبة” التي تهيمن على وزارة الداخلية منذ سنوات .
الصرامة مع الدبلوماسية
ما يلفت الانتباه في مسار نونيز هو التناقض الواضح بين تصريحاته. ففي مارس الماضي، لم يتردد في وصف الموقوفين الجزائريين بـ”الأخطر”، لكنه في الوقت نفسه رفض الدخول في المناكفة السياسية حول رفض الجزائر لقوائم الترحيل، معتبرًا ذلك خارج نطاق عمله .
هذا الموقف يكشف عن احتمالين :
الأول: أن نونيز قد يكون أكثر حذرًا من روتايو في تسييس الملفات الأمنية، مما يفتح نافذة صغيرة للحوار الهادئ بعيدًا عن الكاميرات .
الثاني: أن الرجل يُفضل العمل الأمني الصامت على التصريحات الإعلامية، وهو ما قد يعني تشديدًا أكبر لكن بطريقة أقل ضجيجًا .
ما الذي يختلف حقًا؟
الفارق الجوهري بين روتايو ونونيز ليس في الإيديولوجيا، بل في الأسلوب. روتايو كان سياسيًا يستخدم الملف الأمني لبناء رأسمال انتخابي. نونيز، بالمقابل، تقني أمني يرى الأمور من زاوية “إدارة المخاطر” لا “صناعة المواقف “.
وزير الداخلية الفرنسي الجديد: رهان على التغيير أم تكريس للأزمة؟
هذا قد يعني :
ـ أقل تصريحات استفزازية في الإعلام
ـ مزيد من الضغط الصامت عبر القنوات الدبلوماسية والأمنية
ـ تركيز أكبر على الملفات التقنية (الإرهاب، الجريمة المنظمة) بعيدًا عن الاستعراضات السياسية
الجزائر أمام معادلة جديدة
بالنسبة للجزائر، التعامل مع نونيز قد يكون أصعب من روتايو. فالأخير كان واضحًا وصاخبًا، مما سهّل رسم خطوط حمراء والرد عليها. أما نونيز، فهو يُمثل نموذج “البيروقراطي الصامت” الذي لا يُعلن النوايا مسبقًا .
السؤال الآن: هل ستختار الجزائر مواصلة سياسة الرفض الحازم، أم ستستغل هدوء نونيز الإعلامي لفتح قنوات حوار تقنية بعيدًا عن الأضواء؟
هدوء خادع أم بداية جديدة؟
تعيين نونيز ليس تغييرًا جذريًا في السياسة الفرنسية، بل تحوير في الأداة. السياسة ذاتها باقية، لكن طريقة التنفيذ قد تختلف. وهنا بالضبط يكمن الخطر: فالعدو الصامت أحيانًا أخطر من العدو الصاخب.