آخر الأخبار

خطاب الرئيس تبون بمقر وزارة الدفاع الوطني كان بمثابة وثيقة سياسية واستراتيجية لخصت فلسفة الجزائر في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

خطاب الرئيس تبون بمقر وزارة الدفاع الوطني كان بمثابة وثيقة سياسية واستراتيجية لخصت فلسفة الجزائر في إدارة شؤونها الداخلية والخارجيةا

لجزائر الآن _ يرى مراقبون سياسيون أن الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، عبد المجيد تبون، خلال زيارته العملية إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، بحضور كبار قادة المؤسسة العسكرية، لم يكن مجرد خطاب تقليدي موجه للمؤسسة الأمنية، بل كان بمثابة وثيقة سياسية واستراتيجية تلخّص فلسفة الدولة الجديدة في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية.

الخطاب – حسب المتابعين – حمل رسائل متعددة المستويات، عكست وعيًا رئاسيًا بتعقيدات المرحلة، ورغبة واضحة في إعادة صياغة مفهوم الأمن الوطني ليشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية، في وقت تتصاعد فيه التحديات الداخلية والخارجية بوتيرة غير مسبوقة.

مصدر الصورة

_ الرئيس تبون يبعث برسائل قوية للداخل والخارج مفادها أن البرنامج الجديد يبنى بسواعد الجزائريين

وفي تصريح لجريدة الجزائر الآن الإلكترونية، أوضح الباحث الاستراتيجي الأستاذ نبيل كحلوش أن “الخطاب الأخير للرئيس تبون بعث برسائل قوية للداخل والخارج مفادها أن البرنامج الوطني الجديد يستمد قوته من الثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة والمجتمع، ومن استقلالية القرار الوطني عن أي تدخل خارجي”.
وأضاف كحلوش أن الرئيس تبون “أراد أن يؤكد أن الجزائر الجديدة تتحرك وفق رؤية واقعية تراعي التحولات الجيوسياسية المتسارعة في العالم، وأن المؤسسة العسكرية جزء فاعل من هذه الرؤية، من خلال قدرتها على التكيّف مع الحروب الهجينة والهجمات السيبرانية، وإدماج الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها الدفاعية”.

_ الجزائر تفادت كارثة بفضل يقظة مؤسساتها الأمنية

وحذّر الرئيس تبون من طبيعة التحديات الجديدة التي تواجه الجزائر، وفي مقدمتها الحروب غير التقليدية التي تستهدف المجتمع، وخاصة فئة الشباب، عبر أدوات ناعمة كالمخدرات والحرب السيبرانية وحملات التشويه الإعلامي.

وأشار كحلوش إلى أن “الجزائر نجت من كارثة حقيقية بفضل يقظة الجيش الوطني الشعبي وأجهزة الأمن التي أحبطت خلال سنة واحدة محاولات إدخال أكثر من 25 مليون قرص مهلوس”، معتبراً أن “التهديدات لم تعد تقليدية، بل تمس البنية الاجتماعية والأمن المجتمعي مباشرة”.

_ الرئيس تبون يعيد تعريف الأمن الوطني: من الدفاع إلى التنمية

مصدر الصورة

ويعتبر محللون أن ربط الرئيس تبون بين القوة الاقتصادية والقوة العسكرية يمثّل تحولًا في فلسفة الأمن الوطني الجزائري، من كونه وظيفة دفاعية إلى كونه رافعة تنموية.
فالمؤسسة العسكرية – بحسب هذا المنظور – لم تعد فقط حامي الحدود، بل أصبحت ضامنًا للاستقرار الاستثماري والتنمية، من خلال دورها في حماية البيئة الاقتصادية والأمنية، في منطقة تعيش على وقع أزمات جيوسياسية متفاقمة.

كما شكّل حديث الرئيس عن العصرنة الإلكترونية الشاملة عام 2026 تأكيدًا على دخول الجزائر مرحلة “الرقمنة السيادية”، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع الدفاع والاقتصاد في بنية أمنية متكاملة.

من الدبلوماسية التقليدية إلى الدبلوماسية الاقتصادية

يرى الخبراء أن إشادة الرئيس تبون بتعاون إسبانيا ودول أوروبية أخرى في مسار استرجاع الأموال المنهوبة، تعبّر عن تحول نوعي في المقاربة الجزائرية للعلاقات الدولية.

فبعد عقود من الدبلوماسية التقليدية القائمة على البعد السياسي والأمني، تتجه الجزائر نحو الدبلوماسية الاقتصادية والقضائية القائمة على الشفافية والعدالة المشتركة.

ويشير كحلوش إلى أن “هذا التوجه يعكس نضجًا مؤسساتيًا جديدًا، يعيد الجزائر إلى المشهد الأوروبي كطرف فاعل موثوق يسعى إلى بناء شرعية اقتصادية قائمة على الحكم الرشيد، لا على النفوذ السياسي أو الأمني”.

_ الرئيس تبون يؤسس للقطيعة مع ممارسات الماضي

ويضيف الخبير الاستراتيجي نبيل كحلوش أن “الرئيس تبون يركّز بوضوح على إحداث قطيعة مع ممارسات الماضي – رغم رواسبها – والتأسيس لمرحلة جديدة قوامها الواقعية والصرامة في إدارة الدولة، سواء في مجالات القوة الصلبة كالدفاع والاقتصاد، أو القوة الناعمة كالإعلام والثقافة والتعليم”.

ويبرز ذلك في حديثه عن 17 ألف مشروع استثماري قيد الدراسة بالشباك الموحد، الذي وصفه بأنه “العدو اللدود للرشوة والبيروقراطية”، في إشارة إلى رغبة الرئاسة في إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والإدارة على أساس الشراكة لا الوصاية.

_ الجزائر قوة هادئة تتقدم بثقة

في سياق إقليمي مضطرب، تحقق الجزائر أعلى نسب نمو في المنطقة وتحتل المرتبة الثالثة إفريقيًا حسب البنك العالمي، لكنها – كما يوضح كحلوش – “تركز اليوم على بناء نموذج اقتصادي سيادي قائم على الإنتاج، لا على الريع”.
مشاريع الفوسفاط، وتفعيل الصناعة الوطنية لرفع مساهمتها إلى 13% من الناتج القومي، تمثل تحولاً بنيويًا نحو اقتصاد إنتاجي مستقل.
ويعلّق ذات الخبير الاستراتيجي: “من يملك أدوات الإنتاج يملك القرار السياسي، وهذه هي معادلة السيادة الجديدة التي تسعى الجزائر لترسيخها”.

_ تحصين الجبهة الداخلية ومواكبة التحولات العالمية

يؤكد كحلوش أن خطاب الرئيس تبون ركّز بوضوح على “تحصين الجبهة الداخلية ومواجهة الحروب غير التقليدية الموجّهة نحو الشباب”، في رؤية تسعى لتأمين الأمن القومي بمفهومه الشامل، وربط التماسك الاجتماعي بالاستقرار الاستراتيجي.

ويضيف أن “المرحلة الحالية تمثل هندسة جديدة للثقة الوطنية، هدفها ترسيخ قناعة بأن الجزائر تمتلك مشروعًا متكاملًا لذاتها: اقتصادها أداة سيادتها، وجيشها حامي سلامها، وشبابها قاعدة مستقبلها”.

_ تعزيز المقاولاتية كرافعة وطنية

ويرى المراقبون أن من أبرز نقاط الخطاب تركيزه على الجيل الاقتصادي الجديد، أي الشباب والمبتكرين وأصحاب المؤسسات الناشئة.
فالحديث عن 20 ألف مؤسسة ناشئة، كما يقول كحلوش، “ليس مجرد رقم، بل إعلان عن ولادة مجتمع إنتاجي جديد يقوم على المعرفة والكفاءة”.

وفي ظل توقعات بلوغ عدد السكان 50 مليون نسمة خلال ثلاث سنوات، فإن إدماج الشباب في الاقتصاد الوطني أصبح خيارًا استراتيجيًا لا بديلاً عنه، في سياق مشروع تنموي عنوانه “خلق الثروة قبل توزيعها”.

_ مكافحة الفساد واستعادة أدوات الدولة

يشدد الخبراء على أن تأكيد الرئيس تبون على استرجاع ما يقارب 30 مليار دولار من الأموال والعقارات المنهوبة لا يعبّر فقط عن إنجاز مالي، بل عن إعادة ترسيم حدود الشرعية السياسية والاقتصادية للدولة.
فمحاربة الفساد – بحسب ذات المتحدث – لم تعد عملية محاسبية، بل جزء من عملية أعمق لإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس الشفافية والسيادة القانونية.

ويخلص إلى أن “الجزائر تسير اليوم بثقة نحو نموذج تراكمي متدرّج، يوازن بين الحزم والواقعية، ويرسي أسس دولة فاعلة وقوة اقتصادية ناشئة قادمة من الجنوب بصمتٍ استراتيجي وذكاء مؤسساتي”.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا