آخر الأخبار

خطاب محمد السادس يتجاهل دماء الشارع المغربي

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ في مشهد يعكس اتساع الهوة بين القصر والشارع، ألقى محمد السادس خطابه أمس الجمعة الماضي دون أن يتطرق ولو بكلمة واحدة إلى التظاهرات الشعبية التي تعرفها البلاد، تقودها حركة تحت اسم “جيل زد 222″، تلك الاحتجاجات التي لم تكن مجرد مسيرات عابرة، بل هي حراكًا شبابيًا أودى بحياة ثلاثة أشخاص.

خطاب من عالم آخر

الخطاب الملكي جاء كأنه يُلقى من كوكب آخر، بعيدًا تمامًا عن الواقع المغربي المشتعل. لا إشارة إلى الاحتجاجات، لا تعزية لأهالي الضحايا، لا محاولة لفهم غضب الشباب، ولا حتى اعتراف بوجود أزمة. كان خطابًا يتحدث عن إنجازات ومشاريع بينما الشارع يغلي بالغضب والإحباط.

هذا الصمت المُطبق لم يكن مجرد تجاهل سياسي مقصود، بل يثير تساؤلات أعمق حول مدى وعي الملك بما يجري في بلاده فعليًا. هل وصلته تفاصيل ما حدث؟ هل يعلم أن شبابًا مغاربة خرجوا إلى الشوارع معبرين عن غضبهم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟ هل بلغه خبر سقوط ثلاثة قتلى؟

عزلة القصر أم عزلة المرض؟

الحالة الصحية المتدهورة للملك محمد السادس باتت سرًا مكشوفًا. غيابه المتكرر والطويل عن المغرب، ظهوره النادر في المناسبات العامة، وحتى طريقة إلقائه للخطابات، كلها مؤشرات على أن صحته لم تعد كما كانت. لكن السؤال الأهم: هل وصل الأمر إلى درجة أنه لم يعد يدرك ما يدور حوله؟

التجاهل التام لأحداث بهذا الحجم والخطورة يدفع نحو استنتاج مقلق: إما أن الملك معزول تمامًا عن الواقع بسبب حاشية تحجب عنه الحقائق المزعجة، وإما أن حالته الصحية وصلت إلى مرحلة لم يعد فيها قادرًا على متابعة التطورات اليومية أو فهم خطورتها.

كلا الاحتمالين كارثي. الأول يعني أن المغرب يُدار من قبل حاشية تتلاعب بالمعلومات وتُبقي الملك في فقاعة معزولة عن شعبه. والثاني يعني أن البلاد تُدار فعليًا من قبل من يُحرك الخيوط خلف الستار بينما الملك مجرد واجهة شكلية.

خطاب محمد السادس يتجاهل دماء الشارع المغربي

تظاهرات حركة “جيل زد 222” لم تكن احتجاجًا عاديًا. كانت صرخة جيل بأكمله يشعر بالتهميش والإقصاء، جيل يعاني من البطالة والفقر وانسداد الأفق. هؤلاء الشباب خرجوا إلى الشوارع ليقولوا إن الوعود لم تعد تكفي، وإن الخطابات الرسمية المنمقة لم تعد تُسمن أو تُغني من جوع.

سقط ثلاثة قتلى في هذه الاحتجاجات. ثلاثة مغاربة فقدوا حياتهم وهم يعبرون عن غضبهم ويطالبون بحقوقهم. لكن يبدو أن هذه الدماء لم تكن كافية لتستحق كلمة واحدة في الخطاب الملكي. لم تكن كافية لتستحق تعزية أو حتى مجرد إشارة عابرة.

هذا التجاهل يُرسل رسالة واضحة وقاسية للشباب المغربي: أصواتكم لا تصل، معاناتكم لا تُرى، دماؤكم لا قيمة لها في حسابات القصر.

الفجوة التي تتسع يومًا بعد يوم

المسافة بين القصر الملكي والشارع المغربي لم تعد تُقاس بالكيلومترات، بل بعوالم كاملة. الملك يعيش في عالم من المشاريع الضخمة والإنجازات الورقية والأرقام الرسمية المُبهرة، بينما الشعب يعيش واقعًا مختلفًا تمامًا: البطالة، الفقر، الإحساس بالظلم، انسداد الأفق.

هذه الفجوة لم تنشأ بين ليلة وضحاها. إنها نتاج سنوات من سياسات لم تلمس حياة الناس العاديين، سنوات من خطابات رسمية لم تترجم إلى تحسن ملموس في الواقع المعيش، سنوات من وعود ظلت معلقة في الهواء.

لكن تجاهل احتجاجات “جيل زد 222” في الخطاب الملكي يمثل ذروة هذه الفجوة. إنه يقول للمغاربة: حتى عندما تموتون في الشوارع، فإن أصواتكم لن تصل إلى آذاننا.

من يحكم المغرب فعليًا؟

السؤال الذي يطرحه كثير من المغاربة اليوم بات أكثر إلحاحًا: من يحكم البلاد فعليًا؟ إذا كان الملك لا يعلم بتفاصيل أحداث خطيرة كهذه، إذا كان معزولًا عن الواقع إلى هذه الدرجة، فمن يتخذ القرارات؟ من يرسم السياسات؟ من يدير الأزمات؟

الإجابة المقلقة هي أن البلاد تُدار من قبل شبكة من المستشارين والحاشية الذين يحيطون بالملك، وربما من قبل مراكز قوى أخرى في الظل. الملك، الذي من المفترض أن يكون القائد الأعلى وأمير المؤمنين، قد يكون مجرد واجهة لنظام يعمل خلف الكواليس.

هذا الوضع خطير على عدة مستويات. أولًا، لأنه يعني غياب المساءلة الحقيقية – إذا كان من يحكم فعليًا غير معروف، فكيف يمكن محاسبته؟ ثانيًا، لأنه يخلق فراغًا في السلطة يمكن أن تملأه مراكز قوى متصارعة. ثالثًا، لأنه يفقد النظام الملكي نفسه شرعيته الشعبية عندما يصبح الملك مجرد رمز بعيد عن الواقع.

خطاب لا يعكس الواقع

الخطاب الملكي تحدث عن إنجازات ومشاريع وطموحات، لكنه تجاهل تمامًا الواقع المُعاش. تحدث عن تنمية وتقدم بينما الشباب يموتون في الشوارع. تحدث عن مستقبل مشرق بينما جيل كامل يشعر بأنه لا مستقبل له.

هذا الانفصال بين الخطاب الرسمي والواقع المُعاش ليس جديدًا في المغرب، لكنه وصل في هذا الخطاب إلى مستوى فاضح. لم يعد ممكنًا التظاهر بأن كل شيء على ما يرام عندما تسقط جثث في الشوارع. لم يعد ممكنًا الحديث عن النجاحات بينما الناس تنزل للاحتجاج على فشل السياسات.

النظام الذي يصم آذانه

ما حدث في الخطاب الملكي الأخير ليس مجرد تجاهل لحدث معين، بل هو انعكاس لطبيعة نظام بأكمله. نظام يصم آذانه عن صرخات شعبه، يغمض عينيه عن معاناة مواطنيه، يتظاهر بأن المشاكل غير موجودة لمجرد أنه يرفض الاعتراف بها.

هذا النهج لا يحل المشاكل، بل يُفاقمها. التجاهل لا يُسكت الغضب، بل يُغذيه. والصمت عن الدماء لا يمحوها، بل يجعلها تصرخ بصوت أعلى.

خلاصة مُرة

خطاب محمد السادس الذي تجاهل تمامًا احتجاجات “جيل زد 222” والضحايا الثلاثة الذين سقطوا فيها، يُلخص حالة نظام بأكمله: نظام منفصل عن شعبه، بعيد عن واقعه، عاجز عن فهم معاناته أو ربما غير راغب في ذلك.

السؤال الذي يبقى معلقًا: هل هذا التجاهل نتيجة لحالة صحية متدهورة جعلت الملك لا يدري فعلًا ما يدور حوله؟ أم هو قرار سياسي واعٍ بالتجاهل والمضي قدمًا كأن شيئًا لم يحدث؟

في كلتا الحالتين، النتيجة واحدة: شعب يشعر بأنه غير مرئي، وملك لا يراه أو لا يريد أن يراه، وفجوة تتسع يومًا بعد يوم بين عالمين يفترض أنهما يعيشان في بلد واحد.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا