الجزائر الآن _ كشفت دراسة متخصصة أنجزها “مرصد التمييز ضد المسلمين في فرنسا” عن أرقام مقلقة تعكس حجم العنصرية التي يواجهها المسلمون في المجتمع الفرنسي. الدراسة، التي تعد ثمرة تعاون بين مسجد باريس الكبير والمعهد الفرنسي للرأي العام (IFOP)، أظهرت أن 66% من المسلمين تعرضوا لسلوكيات عنصرية خلال السنوات الخمس الماضية، وهي نسبة تفوق بثلاث مرات ما يواجهه عموم السكان الفرنسيين.
أُجري هذا المسح على عينة تمثيلية وطنية من ألف مسلم، باستخدام منهجية دقيقة تجمع بين أساليب الاتصال الهاتفي والتقييم الذاتي، بهدف قياس الممارسات التمييزية بطريقة أكثر شمولاً من مجرد الشكاوى أو الشهادات التي تجمعها الجمعيات أو جهات إنفاذ القانون.
تكشف الدراسة أن الانتماء الديني يمثل السبب الرئيسي وراء هذه الممارسات العنصرية، حيث يعتقد 50% من المسلمين الذين كانوا ضحايا للعنصرية أن دينهم كان السبب الأساسي، مقارنة بـ15% فقط بين أتباع الديانات الأخرى. هذا الرقم يؤكد البعد الديني المحدد لظاهرة الخوف من المسلمين في فرنسا.
لكن العنصرية لا تقتصر على رفض المعتقدات فحسب، إذ يُظهر تحليل ردود الفعل أن الرفض يكون أشد عندما يكون للمسلمين لهجة قوية (85%) أو أصول إفريقية جنوب الصحراء (84%)، مما يعكس تداخل عوامل متعددة في هذه الظاهرة.
تتماشى نتائج هذه الدراسة مع الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية، التي أشارت إلى ارتفاع الأعمال المعادية للمسلمين بنسبة 75% خلال الفترة من جانفي إلى ماي 2025.
هذا التصاعد المقلق شهد عمليات بشعة راح ضحيتها مسلمون، مثل الشاب المالي أبوبكر سيسي الذي قُتل غدراً في أحد المساجد.
تخفي العنصرية ضد المسلمين عدة أوجه تمس جوانب مختلفة من الحياة اليومية. في مجال التوظيف، تعرض 51% من المسلمين للتمييز أثناء البحث عن عمل، بينما واجه 46% منهم تمييزاً في مجال السكن. كما سجلت الدراسة تجاوزات من قبل الشرطة عند عمليات التفتيش بنسبة 51%.
لم تسلم الخدمات العامة من هذه الظاهرة، حيث تعرض 36% من المسلمين لممارسات تمييزية من قبل موظفي الإدارة العامة، و29% من العاملين في مجال الصحة، و38% من المعلمين في المؤسسات المدرسية.
في هذا السياق المقلق، أدلى نصر خبات، الأمين العام لحركة “موداف” (الحركة الديناميكية للجزائريين في فرنسا)، بتصريحات مهمة للصحيفة الإلكترونية “ الجزائر الآن”، تضع الأرقام في إطار سياسي واجتماعي أوسع.
يعلق خبات على النتائج قائلاً: “إن الأرقام التي كشفت عنها هذه الدراسة خطيرة للغاية: 66% من المسلمين في فرنسا صرّحوا أنهم تعرضوا للتمييز خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفي نصف الحالات تقريباً كان السبب هو الدين. نحن لا نتحدث هنا عن حوادث فردية، بل عن واقع بنيوي مقلق.”
ويحمل خبات المسؤولية لجهات متعددة، مؤكداً أن “هذه الظاهرة غذّتها سنوات من الخطاب السياسي غير المسؤول، حيث جعل بعض السياسيين من المسلمين كبش فداء، كما ساهمت بعض وسائل الإعلام الثقيلة في تكريس الكراهية عبر مناظرات وبرامج تكرّس الوصم والريبة.”
يسلط الأمين العام لحركة “موداف” الضوء على وضعية خاصة تواجه الجزائريين في فرنسا، محذراً من ظاهرة جديدة قد تتشكل. يقول خبات: “نحن في موداف نؤكد أن المواطنين الجزائريين والفرنسيين-الجزائريين مهددون بشكل مضاعف. فإلى الإسلاموفوبيا المنتشرة أصلاً، قد تُضاف مظاهر من ‘الجزائريوفوبيا’، التي تتغذى من أحكام مسبقة تاريخية ومن رواسب ما بعد الاستعمار.”
هذا التحذير يأتي في سياق التوترات السياسية بين الجزائر وفرنسا، والتي قد تنعكس سلباً على الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، مضيفة بعداً جديداً للتمييز الذي يواجهونه.
تكشف الدراسة عن قلق جماعي بين المسلمين، حيث يعتقد 82% منهم أن الكراهية تجاه المسلمين ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في فرنسا، ويرى 81% أنها تتفاقم منذ عشر سنوات. هذا القلق يصل إلى مستويات عالية جداً بين النساء المحجبات، حيث يعبر 81% منهن عن تخوفهن من تقييد حريتهن الدينية أو التعرض للهجوم بسبب دينهن.
والمثير أن 66% فقط من المسلمين الذين يتعرضون للتمييز يتقدمون بشكوى لدى جهات إنفاذ القانون، فيما يلجأ عدد أقل منهم إلى جمعيات مناهضة للعنصرية (53%) أو جمعيات دينية (36%)
يختتم نصر خبات تصريحاته لـ”الجزائر” بدعوة واضحة للدولة الفرنسية، قائلاً: “عندما يُنظر إلى ملايين المواطنين كأنهم مشتبه بهم بشكل دائم، فإن ذلك لا يدمّر فقط مبدأ المساواة في الجمهورية، بل يهدد وحدة المجتمع نفسه.”
ويضيف: “إن موداف يعتبر أن على فرنسا أن تواجه هذه الحقيقة: حماية المسلمين والجزائريين في فرنسا من الكراهية ليست منّة، بل هي واجب ديمقراطي وشرط أساسي لضمان مستقبل مشترك.”
تكشف هذه الدراسة الشاملة والتصريحات المصاحبة لها عن أزمة حقيقية تهدد النسيج الاجتماعي الفرنسي. الأرقام المقلقة التي تظهر تعرض ثلثي المسلمين للعنصرية، إلى جانب التحذيرات من ظهور “جزائريوفوبيا” جديدة، تستدعي استجابة عاجلة من الدولة والمجتمع المدني.
المطلوب ليس مجرد إدانة هذه الممارسات، بل وضع آليات فعالة لمكافحة التمييز، وإعادة النظر في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يغذي هذه الظواهر. فالمسألة لا تتعلق فقط بحقوق الأقليات، بل بمستقبل النموذج الجمهوري الفرنسي القائم على المساواة والعدالة.