الجزائر الآن _ أحيت السفارة الأمريكية بالجزائر، اليوم الجمعة، الذكرى 230 لمعاهدة السلام والصداقة الجزائرية – الأمريكية، حيث أكدت السفيرة الأمريكية إليزابيث مور أوبين، أن هذه المناسبة تعكس “واحدة من أقدم الشراكات في تاريخ الولايات المتحدة”، ومشيدة بالصداقة المستمرة والقيم المشتركة التي ما زالت تجمع الشعبين.
هذه التصريحات ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل هي اعتراف أمريكي متجدد بالدور التاريخي الذي لعبته الجزائر في الاعتراف بالولايات المتحدة الفتية نهاية القرن الثامن عشر.
وهنا يكتسب كلام السفيرة دلالته الخاصة: فإذا كان البعض يروّج لفكرة أن المغرب كان “أول من اعترف بأمريكا”، فإن الحقيقة التاريخية التي تؤكدها الوقائع تُبرز أن الاعتراف الرسمي والفعلي جاء من الجزائر عبر معاهدة 1795، بينما ما قام به المغرب لم يتجاوز إذناً تجارياً سابقاً حتى على استقلال الولايات المتحدة.
فالرسالة المغربية التي يستند إليها المخزن تعود إلى سنة 1777، حين بعث السلطان محمد الثالث مراسلة إلى القوى الأوروبية يخبر فيها بأن الموانئ المغربية مفتوحة للسفن الأمريكية. هذه الخطوة، التي يصفها المؤرخون بأنها إعلان حسن نية تجاري، لم تكن اعترافاً بدولة قائمة، بل مجرد محاولة لاستقطاب تجارة الأطلسي الناشئة لصالح المغرب، خاصة وأن السفن الأمريكية كانت تتجنب القيود البريطانية والفرنسية. والأهم من ذلك أنّ هذه الرسالة جاءت في وقت كانت فيه الولايات المتحدة ما تزال في حرب استقلالها، ولم تعترف بريطانيا باستقلالها إلا في معاهدة باريس 1783. بمعنى آخر: السلطان المغربي كان يتعامل مع “مستعمرات متمردة” أكثر من تعامله مع دولة مستقلة.
أما الجزائر، فقصتها مختلفة تماماً. ففي 5 سبتمبر 1795، وبعد اثني عشر عاماً من الاستقلال الفعلي للولايات المتحدة، وقّعت الجزائر مع واشنطن معاهدة السلام والصداقة، لتصبح أول دولة إسلامية تعقد اتفاقية سياسية ـ عسكرية رسمية مع أمريكا. هذه المعاهدة التي تضمنت 22 مادة لم تكن مجرد نص تجاري عابر، بل تضمنت اعترافاً متبادلاً، وضمانات لحماية السفن الأمريكية في المتوسط، وإطاراً دائماً للعلاقات بين البلدين.
تصريحات السفيرة الأمريكية اليوم تأتي لتؤكد هذا البعد. فهي حين تقول إن الجزائر “أسست واحدة من أقدم شراكات الولايات المتحدة”، فهي تُعيد الاعتبار لدور الجزائر التاريخي، وتعترف بأن هذا الاتفاق لم يكن ثانوياً، بل حجر الأساس لعلاقات ما زالت قائمة بعد 230 سنة.
إن استحضار هذه الذكرى يبيّن أن الجزائر لم تكن يوماً على هامش العلاقات الدولية، بل كانت شريكاً فاعلاً فرض احترامه حتى على قوة عالمية صاعدة مثل أمريكا. وإذا كان المغرب قد قدّم إذناً مرورياً للسفن، فإن الجزائر قدّمت اعترافاً موثقاً في معاهدة رسمية صادق عليها الكونغرس الأمريكي نفسه. وهذا هو الفارق بين مجرد محطة رسو، وبين شريك تاريخي صنع جزءاً من الشرعية الدولية للولايات المتحدة.