افتتاحية | حينما يكشف مقال في لوموند هشاشة العرش العلوي
الجزائرالٱن _ لم يكن مقال لوموند الفرنسية حول مستقبل الحكم في المغرب مجرد مادة صحفية عابرة، بل كان أشبه بصفارة إنذار أربكت القصر الملكي وأخرجت أدواته الإعلامية من حالة الإنكار إلى ردود متشنجة.
ذلك أن ما نشرته الصحيفة لم يكن جديدا في جوهره، بل أعاد ترتيب الحقائق التي يتداولها الجميع سرا: ملك مريض، عائلة ممزقة، ونظام يفقد تدريجيا قدرته على التحكم في سردية “الاستقرار الاستثنائي”.
المرض الذي لم يعد سرا
الحديث عن الوضع الصحي للملك محمد السادس لم يعد مادة للهمس في الصالونات الدبلوماسية فقط، بل صار حقيقة تتناولها كبريات الصحف الدولية. وحده الإعلام المغربي يصر على إنكار ما هو ظاهر للعيان، ويحوّل مرض الملك إلى “خط أحمر” مطلق.
هذا التعتيم يعكس أزمة أعمق: غياب الشفافية في مؤسسة يفترض أنها عنوان الاستمرارية، وتحولها إلى عبء يخيف النظام بدل أن يمنحه الشرعية.
صراع الخلافة.. شبح يطارد القصر
مقال لوموند أزاح الستار عن صراع داخلي يتسرب منذ سنوات: تنافس داخل العائلة المالكة على النفوذ الاقتصادي والسياسي، وتوترات بين الأجنحة المحيطة بالملك حول خلافة محتملة.
هذه الانقسامات، التي تحاول وسائل الإعلام المخزنية إنكارها، باتت جزءا من “المعرفة المشتركة” لدى العواصم الغربية، وهو ما يضع صورة “المملكة المستقرة” أمام اختبار قاسٍ.
تقاطع مع لحظة الصحراء الغربية
ما جعل وقع المقال أكثر إيلاما على المخزن هو توقيته. فقد تزامن مع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي أكد من جديد الطابع الاستعماري للقضية الصحراوية.
هذا التقاطع كشف هشاشة الموقف المغربي: من جهة، أزمة شرعية داخلية مرتبطة بمرض الملك وصراعات القصر، ومن جهة أخرى، تحديات خارجية تؤكد أن ملف الصحراء الغربية لا يمكن طمسه أو تحويله إلى “قضية تنمية جهوية” كما يروج النظام في إعلامه بل الملف واضح وهو قضية تصفيفة إستعمار وبالتالي لا يديل عن منح الشعب الصحراوي حق تقرير مصيرهم عبر استفتاء حر ونزيه .
نظام بلا ركائز صلبة
الحقيقة أن أزمة المخزن أعمق من مقال في صحيفة فرنسية. نحن أمام نظام يواجه عدة نقاط ضعف بنيوية:
_ اقتصاد هش مرتهن للقروض والإملاءات الخارجية.
_ نسيج اجتماعي متصدّع، من احتجاجات الريف إلى حراك جرادة.
_ هشاشة دبلوماسية أمام عودة القضية الصحراوية إلى قلب الأجندة الإفريقية والدولية، وصمود الجزائر في دعم حق تقرير المصير.
الأقلام المأجورة.. خطاب لا يقنع أحدًا
رد الفعل المغربي لم يتجسد في نقاش وطني حر، بل في استنفار أقلام عربية مأجورة اعتادت تلميع صورة القصر مقابل تمويلات يصيغ مختلفة.
هؤلاء لم يواجهوا الحقائق التي طرحتها لوموند، بل اكتفوا بمهاجمة الصحيفة في محاولة بائسة لتكميم النقاش. وهو مشهد يكشف أن المخزن ما زال يتعامل مع الإعلام باعتباره أداة دعاية، لا فضاءً للشفافية والمساءلة.
صورة الاستقرار الزائفة
الارتباك الذي أحدثه مقال لوموند ليس إلا عرضا لأزمة أعمق: ملكية متعبة فقدت بريقها، ونظام سياسي يعيش على إنكار أمراضه.
من هنا، فإن أي تحليل خارجي ـ حتى لو جاء في صحيفة أوروبية ـ يتحول إلى تهديد وجودي لصورة المملكة.
ولعلّ الحقيقة الأبرز أن القصر العلوي لم يعد يملك ترف التحكم في سردية المستقبل، بعدما صارت أزماته مكشوفة للعالم بأسره.