الطيران الداخلي… خيار سيادي في سماء الجزائر
الجزائرالٱن _ شهد مطار هواري بومدين الدولي اليوم الاثنين انطلاقة وُصفت بالاستثنائية، مع إقلاع أول رحلة تجارية للشركة الجديدة للنقل الجوي الداخلي في اتجاه تمنراست.
حدث قد يبدو في ظاهره مجرد إضافة تقنية إلى شبكة المواصلات الوطنية، لكنه في جوهره إعلان عن رؤية سياسية–استراتيجية ترسم ملامح الجزائر الجديدة.
منذ سنوات، ظلّ قطاع الطيران يواجه تحديات متراكمة، بين الضغط على الخطوط الجوية الجزائرية وتراجع تنافسيتها من جهة، وحاجة ولايات الجنوب الكبير إلى وسائل نقل أكثر انتظامًا ومرونة من جهة أخرى. واليوم، يشكّل ميلاد هذا الناقل الداخلي الجديد خطوة في مسار إعادة هيكلة القطاع، واستغلال أمثل للإمكانات، حيث يتكوّن أسطوله من طائرات كانت تابعة للخطوط الجوية الجزائرية وطاسيلي للطيران.
الجنوب الكبير: كسر العزلة وبناء الجسور
القرار لا يخص النقل فقط، بل يرتبط بالعمق الجيوسياسي للجزائر. فالجنوب الكبير ليس مجرد فضاء جغرافي، بل رئة استراتيجية تربط البلاد بعمقها الإفريقي في منطقة الساحل.
ضمان الربط المنتظم بين الشمال والجنوب يعني كسر العزلة عن ولايات استراتيجية مثل تمنراست، جانت وإليزي، وتحويلها إلى بوابات للتنمية والسياحة والاستثمار.
الطيران الداخلي… خيار سيادي في سماء الجزائر
إن تعزيز حركة الطيران الداخلي يُعدّ أداة لإعادة هندسة الجغرافيا الوطنية: بدل أن تبقى المسافات الشاسعة عائقًا أمام الاندماج، تتحول إلى فرص لفتح ممرات اقتصادية جديدة.
وهنا تتجسد رؤية الدولة في تخفيف الفوارق الجهوية، وترسيخ الوحدة الوطنية عبر مشروع سيادي بامتياز.
تبون ورهانات التكامل الوطني
ما يميز هذا المشروع أنه جاء استجابة مباشرة لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي شدّد مرارًا على ضرورة تجسيد سياسة التكامل الوطني على الأرض، لا بالاكتفاء بالشعارات.
الانطلاق الرسمي للشركة يعكس ديناميكية دولة قررت الاستثمار في قطاع حساس ليس بوصفه خدمة تجارية فقط، بل باعتباره ركيزة من ركائز السيادة الوطنية.
الجوية الجزائرية: إصلاح يواكب التحول
لا ينفصل هذا التطور عن الديناميكية الجديدة التي تعرفها الخطوط الجوية الجزائرية تحت قيادة حمزة بن حمودة.
فالمؤسسة دخلت مرحلة إصلاح تهدف إلى استعادة قدرتها التنافسية، ووضعها في مصاف أبرز شركات الطيران الإقليمية خلال المدى المتوسط.
ميلاد الناقل الداخلي الجديد سيكون مكملًا لهذه الاستراتيجية، ويوفر متنفسًا لتخفيف الضغط عن الناقل الوطني الأم.
البعد الإقليمي: سماء الجزائر كرهان جيوسياسي
التحولات التي يعرفها قطاع النقل الجوي ليست معزولة عن السياق الدولي.
ففي وقت تتصاعد فيه التنافسية حول الممرات الجوية والربط القاري بين إفريقيا وأوروبا، يأتي تعزيز الطيران الداخلي ليؤكد أن الجزائر لا تنظر إلى سمائها كفضاء عبور فقط، بل كأداة قوة استراتيجية.
إن التحكم في المجال الجوي الداخلي وضمان سيادته هو شرط مسبق لأي دور إقليمي فاعل في المتوسط والساحل.
نحو رؤية مستقبلية
إقلاع أول رحلة نحو تمنراست هو بداية لمسار طويل، لكنه يرمز إلى شيء أعمق: الجزائر تتحرك لاستعادة مكانتها عبر مشاريع ملموسة، تجعل من وحدتها الترابية قوة اقتصادية وسياسية، وتحوّل النقل الجوي إلى رافعة للتنمية ووسيلة لتعزيز السيادة.
كما قال الجنرال الفرنسي شارل ديغول ذات يوم: “الدولة العظمى هي من تملك وسائلها وتدير فضاءها بنفسها.”
والجزائر، بخطوات كهذه، تثبت أنها مصممة على أن تكون دولة عظمى في فضائها الإفريقي والمتوسطي.