الجزائرالٱن _ تمر مالي، الواقعة في منطقة الساحل، بخمس سنوات من الحكم العسكري المتواصل الذي أعقب الانقلاب على الحكومة المنتخبة عام 2020. منذ ذلك الحين، عاشت البلاد سلسلة من الانقلابات ومحاولات السيطرة التي أظهرت محدودية قدرات المجلس العسكري بقيادة الكولونيل أسيمي غويتا على إدارة الدولة.
وكما رصدت مارتينا شفيكوفسكي في تقرير نشره موقع DW بتاريخ 18 أوت 2025، فإن المحاولات المستمرة لتعزيز السلطة لم تصحبها أي خطوات حقيقية لإعادة المؤسسات المدنية أو ضمان الحريات الأساسية، ما أدى إلى تفاقم الفوضى وانعدام الأمن في أنحاء واسعة من مالي. حتى محاولة الانقلاب الأخيرة لم تكن مفاجئة، إذ تعكس استمرار التوترات داخل الجيش والقطاعات المدنية على حد سواء، وتكشف عن هشاشة الاستقرار المفترض الذي يروج له المجلس العسكري.
محاولات الانقلاب تزيد القمع
في الأشهر الأخيرة، شهدت مالي محاولة انقلاب جديدة شارك فيها بعض العسكريين والمدنيين، وأدت إلى اعتقالات واسعة من قبل المجلس العسكري، بينهم ضباط سابقون ومسؤولون محليون. وكما أشارت شفيكوفسكي في DW، هذه الأحداث تؤكد أن المجلس العسكري يعتمد على أساليب قمعية للتعامل مع أي تهديد محتمل لسلطته، بدل معالجة جذور الأزمة السياسية والأمنية في البلاد. استمرار مثل هذه التوترات يعزز ثقافة الخوف والريبة بين السكان ويضعف أي أفق للحوار المدني أو للمجتمع المدني الذي حاول في السابق ممارسة تأثيره. الفشل في تأمين الاستقرار يظهر بوضوح في المناطق الشمالية والوسطى، حيث تتواصل النزاعات المحلية وتتعقد شبكة المصالح بين الجماعات المختلفة، ما يجعل مهمة المجلس العسكري أكثر صعوبة ويزيد احتمال تصعيد القمع لمواجهة أي احتجاج أو رفض داخلي.
لا ديمقراطية في الأفق
منذ الانقلاب الأول في أوت 2020 والإطاحة بحكومة إبراهيم بوبكر كيتا، دخلت مالي في دائرة مستمرة من الحكم العسكري دون أي إطار ديمقراطي. الانقلاب الثاني في ماي 2021 عزز سلطة المجلس العسكري، وفرض سيطرة كاملة على المؤسسات العامة، بينما تم تعليق أي انتخابات أو خطوات انتقالية حقيقية. في عام 2025، قرر المجلس العسكري حل جميع الأحزاب السياسية، على الرغم من وعود سابقة بإصلاح النظام السياسي وإعادة الديمقراطية.
وكما لاحظت شفيكوفسكي في تقريرها على DW، هذا الإجراء أجهض كل التطلعات لإصلاحات حقيقية، وجعل البلاد محكومة بعقلية الانفراد بالسلطة، حيث يصبح أي نقاش حول مشاركة مدنية أو رقابة حقيقية مجرد كلام فارغ. المواطنون الذين كانوا يأملون في تغييرات ملموسة يجدون أنفسهم محرومين من أي آليات سياسية للتأثير على مستقبلهم، بينما المجلس العسكري يثبت من جديد أنه لا يهتم إلا بالحفاظ على سلطته.
أمن هش واقتصاد متدهور
الوضع الأمني في مالي لا يزال هشًا للغاية، ويشهد تفاقمًا مستمرًا في مناطق عدة، خصوصًا في الشمال حيث النزاعات المحلية بين الجماعات المسلحة تتصاعد. إضافة إلى ذلك، يواجه السكان المدنيون ضغوطًا اقتصادية كبيرة، مع تدهور الخدمات الأساسية وتفاقم أزمة الغذاء. تشير التقديرات إلى أن نحو ستة ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بينما اضطر آلاف آخرون إلى الفرار من منازلهم واللجوء إلى مخيمات عشوائية، مثل مخيم فالادي في باماكو، الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية.
وحسبما أوضحت مارتينا شفيكوفسكي على DW، حياة اللاجئين اليومية مليئة بالمخاطر، حيث يسعون للحصول على ما يسد رمق أطفالهم من المواد القليلة المتاحة، ويعيشون في خيام مؤقتة لا توفر حماية من الطقس القاسي، ما يعكس إخفاق المجلس العسكري في توفير الأمن والحياة الكريمة للمواطنين.
سياسة خارجية تركز على دعم روسيا
على الصعيد الدولي، اختار المجلس العسكري في مالي تعزيز علاقاته مع روسيا والابتعاد عن الدعم الغربي التقليدي، بما في ذلك القوات الفرنسية التي انسحبت تحت ضغوط المجلس العسكري عام 2022. هذا التحول في السياسة الخارجية لم يحقق الأمن والاستقرار، بل كشف عن محدودية تأثير الدعم الروسي، مع استمرار الفوضى في مناطق واسعة. الاعتماد على مرتزقة روس يُظهر الفشل في بناء قوة دفاعية مستقلة وفعالة، إذ لا يشكل هذا الدعم سوى حلول جزئية وغير مستدامة، بينما تزداد معاناة المدنيين وتتعقد قدرة الحكومة العسكرية على إدارة البلاد. كما أشارت شفيكوفسكي في DW، هذه السياسة الخارجية أدت إلى تصاعد الاستياء والارتباك داخل الجيش نفسه، مما يزيد من احتمالات الانقسامات الداخلية ويضعف فعالية المجلس العسكري في إدارة الأزمات.
نتيجة خمس سنوات من الحكم العسكري
بعد مرور خمس سنوات، يتضح أن المجلس العسكري في مالي فشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة. لا إصلاحات سياسية، لا ديمقراطية، ولا استقرار أمني. وكما وثقت مارتينا شفيكوفسكي على DW، البلاد تعيش أزمة مركبة تشمل أزمة سياسية، اقتصادية، وأزمة إنسانية خانقة، مع غياب أي أفق واضح للعودة إلى الحكم المدني أو إنشاء مؤسسات منتخبة قادرة على إدارة شؤون الدولة. المواطنون يعيشون في خوف مستمر من القمع وعدم الاستقرار، بينما المجلس العسكري يواصل تعزيز سلطته دون أي مساءلة، ما يجعل مالي اليوم نموذجًا لفشل الانقلابات العسكرية في تحقيق التنمية والأمن لشعوبها.