تعيش شبه الجزيرة الإيبيرية واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخها الحديث، حيث تواصل الحرائق المدمرة اجتياح مساحات شاسعة من إسبانيا والبرتغال، مخلفة قتلى ودمارًا غير مسبوق، وسط استنفار إقليمي ودولي لاحتواء النيران.
وذكرت صحيفة “ لوموند ” الفرنسية نقلًا عن وكالة الأنباء الفرنسية، أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى ستة قتلى، أربعة في إسبانيا واثنان في البرتغال، معظمهم من رجال الإطفاء الذين سقطوا أثناء أداء واجبهم.
وتفاقمت النيران المشتعلة منذ أكثر من أسبوعين بفعل موجة حر استثنائية وصلت درجاتها إلى 45 درجة مئوية في بعض المناطق، وهو ما جعل السيطرة عليها أمرًا بالغ الصعوبة. وأعلنت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية، أن هذه الموجة القاتلة شارفت على نهايتها، ما قد يمنح أملًا بسيطًا لفرق الإغاثة التي تخوض معركة شرسة ضد ألسنة اللهب.
وسجلت السلطات الإسبانية، 23 حريقًا مصنفًا في الدرجة الثانية، أي الأخطر على حياة السكان. والمناطق الأكثر تضررًا هي غاليسيا وكاستييا وليون وإكستريمادورا، حيث تم إجلاء آلاف المواطنين وتدمير عشرات آلاف الهكتارات من الغابات. وخلال الأيام الماضية فقط، التهمت الحرائق أكثر من 70 ألف هكتار، لترتفع الحصيلة منذ بداية العام إلى 347 ألف هكتار، وهو رقم قياسي يفوق بكثير كارثة 2022 التي شهدت احتراق 306 آلاف هكتار.
أما البرتغال فتواجه حريقًا ضخمًا قرب منطقة أركانيل بوسط البلاد، حيث يشارك نصف عدد رجال الإطفاء البالغين ألفي عنصر في التصدي للنيران. وقد أعلن الرئيس البرتغالي عن وفاة رجل إطفاء في حادث سير أثناء التدخل، إضافة إلى مصرع رئيس بلدية سابق في وقت سابق وهو يقاتل النيران بنفسه.
وأمام هذا الوضع الكارثي، تحركت الآلية الأوروبية للمساعدة المدنية، حيث أرسلت فرنسا وإيطاليا وسلوفاكيا وهولندا طائرات إطفاء إلى إسبانيا، فيما حصلت البرتغال على دعم جوي من السويد .
من جهتها، وصفت وزيرة الدفاع الإسبانية الوضع بأنه معركة صعبة للغاية، مؤكدة أن كثافة الدخان تعيق التدخلات الجوية رغم الحاجة الماسة إليها.
ورغم الصورة القاتمة في إسبانيا والبرتغال، فقد شهدت بعض مناطق البلقان وتركيا تحسنًا نسبيًا بفضل تراجع درجات الحرارة وهطول الأمطار، ما سمح بالسيطرة على عدة حرائق مدمرة هناك.
وتؤكد الكارثة الحالية مجددًا حجم التهديد الذي يشكله التغير المناخي على منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث تتحول فصول الصيف إلى مواسم نيران لا تهدأ، في انتظار حلول أكثر جدية وفعالية من مجرد إطفاء الحرائق بعد اندلاعها.