كشف فريق من العلماء من جامعة ولاية أريزونا الأمريكية في دراسة حديثة نشرت في مجلة Science Advances أن كوكب الأرض يشهد منذ أكثر من عقدين فقدانًا هائلًا وخطيرًا للمياه العذبة.
وتعصف هذه الخسارة الصامتة، التي لا ترى بالعين المجردة، بمصادر الحياة الأساسية وتهدد الأمن المائي والغذائي لمليارات البشر حول العالم.
واعتمد الباحثون على بيانات دقيقة جمعها قمران صناعيان تابعان لوكالة ناسا يعرفان باسم “غريس” و”غريس فو”، حيث مكنت هذه المراقبة المستمرة منذ عام 2002 من رسم صورة واضحة عن تراجع مخزون المياه على اليابسة. وكانت النتيجة صادمة، حيث كشفت أن القارات تجف بوتيرة متسارعة، والزمن يعمل ضدنا.
وتشير الأرقام إلى أن 75 في المائة من سكان العالم يعيشون اليوم في دول تفقد من المياه العذبة أكثر مما تستعيده. ولا تقتصر هذه الأزمة على الأنهار والبحيرات والجليد والثلوج فحسب، بل تضرب بشكل خاص المياه الجوفية التي تمثل 68 في المائة من هذا النقص الهائل. والأخطر أن استنزاف هذه المخزونات العميقة، التي تراكمت على مدى آلاف السنين، يسرع أيضًا ارتفاع مستوى البحار ويزيد من تهديد المناطق الساحلية.
وحددت الدراسة أربع مناطق دخلت مرحلة ما يعرف بـ”الميغا-جفاف”، وهي: جنوب غرب أمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى، ألاسكا وشمال كندا، شمال روسيا المتضرر من ذوبان الجليد السرمدي، وأخيرًا الحوض الأوراسي الكبير الذي يشمل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا الجنوبية وآسيا الوسطى. وتشمل هذه المنطقة الضخمة مدنا كبرى مثل القاهرة وطهران وبرشلونة وباريس وبكين.
ومن الملاحظ أن العالم شهد تحولًا بارزًا سنة 2014 مع موجة “إل نينيو” التي قلبت الموازين المناخية. فمنذ ذلك العام، تسارعت وتيرة الجفاف وانتقلت بؤر الأزمة من نصف الكرة الجنوبي إلى الشمالي حيث تتركز الكثافة السكانية والأنشطة الاقتصادية.
ودقت الدراسة ذاتها ناقوس الخطر وحددت جملة من العواقب المحتملة، أخطرها نقص حاد في مياه الشرب، تراجع إنتاج الغذاء، انقراض أنواع حيوانية، وتهديد مباشر للاستقرار السياسي والاقتصادي في مناطق واسعة. ويحذر الخبراء من أن هذا المسار إذا استمر سيصبح من أبرز دوافع الحروب والنزوح والأزمات الإنسانية المقبلة.
ولم تكتف الدراسة بدق ناقوس الخطر، بل دعت الحكومات إلى تحرك عاجل يشمل إعادة شحن المياه الجوفية في سنوات الأمطار، تقليص الاعتماد الزراعي على الري غير المستدام، تعزيز التعاون الدولي في إدارة المياه، وتوسيع استخدام البيانات الفضائية لرصد التغيرات المائية بشكل أدق.
ويؤكد الباحث الرئيسي في الدراسة جاي فاميليتي أن “استغلال المياه دون رقابة سيقوض الأمن المائي والغذائي للبشرية جمعاء إذا لم نتصرف الآن!”.