الجزائرالٱن _ في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتحولات التي يشهدها الاقتصاد الجزائري، تبرز الحاجة الملحّة إلى تطوير بيئة مرافقة قوية للمستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين. تأتي مكاتب الدراسات والخبرة والاستشارة كعنصر أساسي في هذه البيئة، إذ تمثل هيئات دعم ومرافقة تسهم في تقليص الوقت والتكاليف، وتعزز من تحديث وعصرنة الاقتصاد الوطني عبر تحسين جودة القرارات الاستثمارية والمشاريع الاقتصادية.
تلعب مكاتب الدراسات والخبرة دورًا محوريًا في دورة حياة المشاريع الاستثمارية، بدءًا من بلورة الفكرة مرورًا بدراسات الجدوى، وصولاً إلى التنفيذ والمتابعة. من خلال منهجيات علمية وأدوات تحليل متطورة، تساعد هذه المكاتب المستثمرين على التحكم في إدارة المشاريع، والتخطيط المالي، وضبط التكاليف، وضمان الجودة في التنفيذ. كما تقدم خدمات في إدارة المخاطر القانونية والبيئية والسوقية، وتطبيق أنظمة إدارة المشاريع الحديثة (PMI, PRINCE2).
هذه المكاتب يمكن أن تكون متعددة الاختصاصات وتغطي مجالات حيوية، منها:
– الدراسات القانونية وصياغة العقود والصفقات والتحكيم التجاري الدولي.
– دراسات الجدوى المالية والاستثمارية، والهندسة المالية وتركيب التمويل للمشاريع.
– الدراسات الهندسية والتقنية الصناعية المتخصصة حسب القطاع.
– الدراسات البيئية ودراسات الأمن الصناعي.
– دراسات المحاسبة والجباية.
– دراسات المطابقة مع المعايير الدولية مثل ISO وغيرها.
– الخدمات التكنولوجية والتحول الرقمي للمؤسسات.
هذه المقاربة الشمولية تسمح بالاستغلال الأمثل للكفاءات الوطنية، وتثمين الخبرات المحلية، وتقليل فاتورة استيراد خدمات الاستشارة والهندسة من الخارج، كما تعزز التكامل بين القطاعات الاقتصادية من خلال توفير حلول متكاملة.
الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لانتشار هذه المكاتب متعددة:
1. استغلال الكفاءات الوطنية وتقليل هجرة الأدمغة.
2. تقليص فاتورة استيراد الخدمات الأجنبية.
3. تحسين جودة المشاريع وتقليل نسب التعثر.
4. زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الجزائري.
5. دعم التكامل بين القطاعات الصناعية والخدمية والتكنولوجية.
لضمان نجاح هذه المنظومة، يجب توفير بيئة داعمة تشمل:
– إطار قانوني وتنظيمي ينظم مهنة الاستشارة والخبرة ويضع معايير الاعتماد.
– تحفيز المستثمرين والمؤسسات العمومية والخاصة للاستعانة بالمكاتب المحلية.
– تشجيع شراكات مع مكاتب دولية لنقل المعرفة.
– تقديم حوافز ضريبية وتمويلية للمكاتب الموجهة لدعم المشاريع ذات القيمة المضافة.
– توسيع منح الاعتمادات لفتح مكاتب الدراسات والخبرة في المجالات التالية:
* القانون والتحكيم التجاري الدولي.
* الدراسات البيئية والاستدامة.
* الدراسات الهندسية والتقنية الصناعية.
* الدراسات المالية والهندسة المالية.
* المعايير الدولية والمطابقة الصناعية.
* التحول الرقمي والخدمات التكنولوجية.
* الأمن الصناعي والسلامة المهنية.
التجارب الدولية تؤكد أهمية وجود قطاع استشاري قوي يعزز من فرص النجاح الصناعي والاستثماري.
إن تعزيز الساحة الاقتصادية الوطنية بمكاتب الدراسات والخبرة والاستشارة يعد ضرورة ملحة لضمان استدامة وتنافسية الاقتصاد الجزائري. هذه المكاتب، بما توفره من خبرة متعددة المجالات، تعمل كجسر بين الفكرة والتنفيذ، وبين الاستثمار والعائد الاقتصادي، وتجعل من الممكن بناء اقتصاد وطني أكثر عصرية وكفاءة. لذلك، فإن دعم الدولة لتأسيس وانتشار هذه المكاتب، وتحفيز الشراكات بينها وبين الجامعات ومراكز البحث، يمثل استثمارًا طويل الأمد في مستقبل الجزائر الاقتصادي، ويضع الأساس لنهضة اقتصادية وصناعية مستدامة.