آخر الأخبار

مدينة ألمانية تستعيد ذكرى الهجوم العنصري على العمال الجزائريين في 1975

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

مدينة ألمانية تستعيد ذكرى الهجوم العنصري على العمال الجزائريين في 1975

الجزائرالٱن _ تستعد مدينة إرفورت عاصمة ولاية تورنغن الألمانية، لإحياء ذكرى مؤلمة ومهمة مرت قبل خمسين عامًا، عندما شهدت شوارعها حادثة عنصرية خطيرة استهدفت عمالًا جزائريين، إذ تعرضوا لهجوم شرس من قبل مئات الشبان من سكان المدينة. يأتي هذا النشاط التذكاري يوم الأحد الموافق 10 أوت 2025، بدعوة من جامعة إرفورت، بهدف استعادة سردٍ تاريخي مهم طُوي عن الذاكرة الجماعية لسنوات طويلة. هذه الفعالية ليست مجرد إحياء لذكرى حدث ماضي، بل محاولة لفهم جذور العنصرية التي أثرت على المجتمع الألماني، وخاصة في شرق البلاد، وللمضي قدمًا في مواجهة تبعاتها السلبية.

هجوم عنصري نادر في ألمانيا بعد الحرب

في يوم 10 أوت من عام 1975، شهدت إرفورت واحدة من أعنف الملاحقات العنصرية التي عرفتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية . فقد تجمع ما يقارب 300 شاب من السكان المحليين، وشرعوا بمطاردة 25 عاملاً جزائريًا كانوا يعملون في مشاريع بناء بالمدينة. الهجوم، الذي كان مسلحًا بالعصي والسكاكين، لم يترك للعمال الجزائريين متنفسًا، إذ تعرّض بعضهم لاعتداءات مبرحة أدت إلى إصابات خطيرة استوجبت نقلهم إلى المستشفيات. رغم شدة الأحداث وألمها، لم تُدرج هذه الحادثة في التاريخ الرسمي، بل بقيت حبيسة الصمت لعقود، حتى عادت اليوم لتتصدّر النقاشات بفضل جهود بحثية وشهادات حية.

صمت رسمي وتزوير الوقائع

في ظل النظام السياسي لجمهورية ألمانيا الديمقراطية آنذاك، التي كانت تتبنى شعار مكافحة العنصرية، واجهت السلطات صعوبة في الاعتراف بوقوع حادثة عنصرية بهذا الحجم. فجهاز الأمن المعروف بالشتازي، عمد إلى تقليل حجم الأحداث ووصمها بأنها مجرد “شغب” ناتج عن سلوكيات “مراهقين هامشيين”، وسعت السلطات إلى إلصاق التهمة بالعمال الجزائريين أنفسهم عبر رواية ملفقة تفيد بأن أحدهم كان في حالة سكر وحاول التحرش بفتاة ألمانية، مما أثار غضب السكان. لم تُظهر التقارير الرسمية إلا قدرًا ضئيلًا من الحقيقة، فيما تم تجاهل الاعتداءات الخطيرة التي تعرّض لها العمال، ولم تصدر السلطات أي إدانة رسمية، بل اقتصرت المتابعات القضائية على عدد محدود من المتهمين، الذين نالوا أحكامًا بالسجن في محاكمات سرية ومحدودة التأثير.

شهادات الناجين: بين الألم والأمل

رغم غياب الاعتراف الرسمي، بقيت ذكريات الناجين شاهدة حية على تلك الليلة الدامية. حمدان عبود، شاب جزائري كان من بين العمال المستقدمين في صيف 1975، يسترجع تفاصيل ليلة مهرجان صيفي تحوّل إلى كابوس، حين تحولوا من مواطنين عاملين إلى أهداف لمطاردة عنيفة. يقول حمدان إن الشتائم العنصرية والسباب كانت أشد وقعًا من الضربات، إذ كانوا يُطلق عليهم ألقابًا مهينة ويُهددون صديقاتهم من النساء البولنديات والألمانيات. كما يروي علي صديق، عامل آخر، كيف نجا بأعجوبة من محاولة خنق، بفضل تدخل صديقه مناع عبد القادر، الذي لم يتردد في المجازفة بحياته لإنقاذه. هذه الشهادات تفتح نافذة على معاناة لم تُوثّق ولم تُروَ رسميًا إلا بعد سنوات طويلة.

التضامن وسط الفوضى

على الرغم من الجو المشحون بالعنف والعداء، برزت مواقف تضامن إنسانية في خضم الأحداث. لوتار تاوتز، طالب ألماني كان يدرس في إرفورت، تذكر كيف تدخل لإنقاذ أحد العمال الجزائريين من مطاردة عصابة من الشبان، متظاهرًا بمعرفته به ليبتعد عن الخطر. تعكس هذه المواقف أن هناك دائمًا مساحات أمل وإنسانية وسط الظلام، وأن العلاقات الإنسانية تجاوزت أحيانًا حواجز العنصرية التي كان يسعى البعض إلى تأجيجها.

استعادة الذاكرة: فعالية تذكارية بعد 50 عامًا

بعد مرور خمسين عامًا على هذه الحادثة، تعود أصوات الناجين حمدان عبود، وعلي صديق، ومناع عبد القادر إلى مدينة إرفورت، بدعوة رسمية من جامعة المدينة، للمشاركة في فعالية تذكارية ستُقام يوم 10 أوت 2025. تهدف هذه المبادرة إلى إعادة الاعتبار لتاريخ طالما تمّ تجاهله، وإلى توثيق قصة مؤلمة من تاريخ المدينة، والعمل على رفع الوعي حول مخاطر العنصرية وتداعياتها الاجتماعية. كما تأتي هذه الخطوة كجزء من جهود أوسع لفهم ظاهرة العنصرية في شرق ألمانيا، التي لا تزال تواجه تحديات متعددة في معالجتها.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا