الجزائرالٱن _ في خطوة تكشف انزلاق الرئاسة الفرنسية نحو أجندة اليمين المتطرف، أعلن قصر الإليزي، اليوم الأربعاء، عن تعليق العمل بالاتفاقية الموقعة سنة 2013 مع الجزائر، والمتعلقة بإعفاء حاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية من التأشيرة. القرار، الذي جاء بتوقيع إيمانويل ماكرون نفسه، ليس مجرد إجراء إداري، بل يحمل في طياته توجّهًا سياسيًا جديدًا يعكس حالة من العداء الممنهج تجاه الجزائر، في سياق توتر متصاعد منذ سنتين.
ماكرون يرضخ لليمين المتطرف ويفتح خط مواجهة جديد مع الجزائر
وحسب صحيفة لوفيغارو ، فإن الرئيس الفرنسي وجّه رسالة إلى رئيس وزرائه فرانسوا بايرو جاء فيها: “لم يعد أمامنا خيار سوى تبني نهج أكثر حزماً مع الجزائر”. وأقرّ ماكرون، في لهجة غير مسبوقة، بـ”صعوبات متزايدة” في العلاقة مع الجزائر، مكلّفًا حكومته بـ”اتخاذ قرارات إضافية” تعكس تشددًا واضحًا.
لكن خلف هذا القرار، يختبئ تحول أعمق في سياسات ماكرون الخارجية: إذ لم يعد الرئيس الفرنسي يراهن على الحوار أو الشراكة مع الجزائر، بل أصبح ينفّذ ما تطالب به أصوات اليمين المتطرف واللوبيات المناهضة للمهاجرين. هذه المواقف، التي كانت تُنسب سابقًا لقيادات مثل مارين لوبان، صارت اليوم جزءًا من خطاب الدولة الفرنسية الرسمي، بتوقيع أعلى سلطة في البلاد.
خطاب القطيعة بدل التهدئة
هذا التوجه الجديد يُفهم على أنه قطعٌ مع سياسة “الاحتواء الحذر” التي كان ماكرون يروّج لها منذ بداية ولايته الثانية. فقد تراجع عن أي محاولة للتهدئة أو تفكيك الخلافات التاريخية، ليختار التصعيد الدبلوماسي والرمزي، من خلال استهداف واحد من أبرز رموز السيادة: الحقائب الدبلوماسية.
وفي هذا السياق، كانت الجزائر قد احتجت، نهاية جويلية، على منع موظفي سفارتها من الوصول إلى المناطق المحجوزة في مطارات باريس، وهو خرق صريح لاتفاقية فيينا التي تضمن حصانة كاملة للحقائب الدبلوماسية. وردّت الجزائر حينها بـ”المعاملة بالمثل”، وسحبت امتيازات كانت ممنوحة للسفارة الفرنسية.
ماكرون يتبنّى منطق المواجهة
منذ إعلان باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية المزعومة بشأن الصحراء الغربية في جويلية 2024، تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تدهورًا ممنهجًا. غير أن توقيع ماكرون اليوم قرار تعليق الامتيازات الدبلوماسية، يحمل بُعدًا شخصيًا: لم يعد ماكرون يحاول حتى إخفاء رضوخه الكامل لخطاب التشدد.
هذا القرار لا يأتي في فراغ. فقد سبقه في الأشهر الأخيرة تصعيد من وزير الداخلية برونو ريتايو، الذي أطلق تصريحات علنية ضد الجزائر وهدّد بترحيل رعاياها، في تعدٍ واضح على مهام وزارة الخارجية، دون أي توضيح أو تدارك من ماكرون، مما فتح الباب لتكهنات حول من يحكم السياسة الخارجية فعليًا.
نهاية التوازن؟
بهذا القرار، يطوي ماكرون صفحة التوازنات مع الجزائر. فلا هيبة المؤسسات الدبلوماسية رُوعيت، ولا الأعراف الدولية احترمت، بل بدا الأمر كأن باريس قررت إعادة رسم العلاقة من منطلق القوة والغطرسة، لا الشراكة والمصالح المتبادلة.
وبينما يبارك اليمين المتطرف هذا التحول، تُسجل الدبلوماسية الفرنسية تراجعًا أخلاقيًا واستراتيجيًا، قد يُكلّفها الكثير في علاقاتها عبر المتوسط.