آخر الأخبار

(مساهمة) الجيش الوطني الشعبي: مجدٌ تليد، وسيادة راسخة، وبناء متجدد

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: البروفيسور عبد القادر بريش

الجزائرالٱن _ في كل سنة وفي الرابع04 أوت، تنبض قلوب الجزائريين بالعزة وتُرفع الهامات فخرًا بهذا الجيش الباسل، سليل جيش التحرير الوطني، الذي أعاد للأمة هيبتها، وحمى استقلالها، ورفع رايتها خفاقة في سماء المجد والكرامة. ففي مثل هذا اليوم، نُخلّد الحدث التاريخي الجليل بتحوّل جيش التحرير إلى الجيش الوطني الشعبي، في لحظة مفصلية لم تكن مجرّد تحول تنظيمي، بل كانت بمثابة ولادةٍ جديدة لروح نوفمبر الخالدة، وترجمةٍ حية للعهد الأبدي مع الشهداء، وصيحة وفاء للوطن العظيم.

جيش المجد والثورة: بين الذاكرة الحية والوفاء العميق

الجيش الوطني الشعبي لم يكن يوما مؤسسة أمنية جامدة، بل هو روح الجزائر النابضة، هو الإبن البار للشعب، والمُجسد لأمانيه وطموحاته، والضامن الأول لسيادته. لقد انبثق من رحم الثورة التحريرية المجيدة، وتربى في أحضان تضحيات الشهداء والمجاهدين، وتشرب القيم النوفمبرية النبيلة، فصار عنوانًا للانضباط والشرف، ونموذجًا للولاء الخالص للوطن.

ومنذ ميلاده، أخذ الجيش الوطني الشعبي على عاتقه مهمة بناء الدولة الجزائرية الحديثة، وصيانة استقلالها الوليد، والدفاع عن كيانها الجمهوري الفتي، أمام التهديدات والمؤامرات. كما تحمّل في مراحل حرجة مسؤوليات جسام، كان آخرها مرافقته الواعية والسلمية للحراك الشعبي في فيفري 2019، حيث أبان عن التزامه الراسخ بالدستور، واحترامه لإرادة الشعب، مجسدًا الشعار الخالد: “جيش شعب خاوة خاوة”، ذلك الشعار الذي أصبح رمزًا للوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي-المؤسساتي، وصار 22 فيفري يومًا وطنيًا يُحتفى فيه بهذا التلاحم المجيد.

جيش جمهوري محترف: منعة الدولة وضمان الاستمرارية

لقد أثبت الجيش الوطني الشعبي، بقيادته الحكيمة، بأنه مؤسسة جمهورية بامتياز، تشتغل بمنطق الدولة وليس بمنطق الغلبة أو الحسابات الضيقة. فقد رافق التحول الديمقراطي، وضَمِن الاستمرارية المؤسساتية، وعمل على تحصين الدولة من الانزلاقات، بما يعزز مناعة مؤسساتها وسلامة مسارها.

ولأنّ الجيش لا يحمي السيادة فقط بالسلاح، بل يحرسها أيضًا بالتنمية والاستقرار وبالعمل الميداني في كل الظروف، فقد كانت المؤسسة العسكرية حاضرة بقوة في دعم الجبهة الداخلية: في مواجهة الكوارث، ومرافقة السكان، وفك العزلة عن المناطق النائية، كما برز دوره جليًا في التصدي للكوارث الطبيعية من حرائق وفيضانات وزلازل، مبرهنًا أنه جيش الشعب وفي خدمة الشعب.

نموذج الصناعة العسكرية: دفاع وتنمية واقتصاد منتج

ومن أبرز مؤشرات احترافية الجيش الوطني الشعبي، تطور الصناعة العسكرية الجزائرية، التي لم تعد مجرد دعم لوجستي للدفاع، بل أصبحت دعامة اقتصادية واعدة، تخلق الثروة، وتساهم في تقليص التبعية، وتعزز مفهوم الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي، وتضع الجزائر على خارطة الدول المنتجة والمصنّعة عسكريًا في إفريقيا والعالم العربي.

هذه الطفرة ليست وليدة الصدفة، بل هي ثمرة رؤية وطنية طموحة، ترى في الجيش قاطرة للنهضة الصناعية، وبوابة لنقل التكنولوجيا، وجسرًا نحو تنمية وطنية شاملة ومتماسكة.

جيش في قلب الأمة: ركيزة للمناعة وبوصلة للسيادة

في عالم يشهد تقلبات عميقة، وصراعات مركّبة، وتحولات جيوسياسية متسارعة، تبرز أهمية امتلاك دولة قوية، ومجتمع متماسك، واقتصاد متين، ولكن قبل ذلك جيش قوي ووطني واحترافي. فالجيش الوطني الشعبي هو الركيزة الصلبة لمنظومة الأمن القومي، والسدّ المنيع أمام محاولات الاختراق، وهو العين الساهرة التي لا تنام، والعقل الاستراتيجي الذي يخطط، واليد التي تبني وتحمي.

إنّ الجيش الوطني الشعبي لا يكتفي بحماية الحدود، بل يصون الذاكرة، ويحمل وصية الشهداء، وينقل القيم الوطنية للأجيال الصاعدة، ليظل دائمًا درع الأمة، وحامل رايتها، والضامن لوحدتها.

في الختام: الجزائر الجديدة تنتصر بجيشها

إنّ الجزائر اليوم، وهي تشق طريقها نحو تحول شامل، تُدرك أن الدولة القوية هي التي تملك جيشًا قويًا، واقتصادًا منتجًا، ومجتمعًا متراصًا، وجبهة داخلية عصيّة على التفكك. وهذه هي الجزائر الجديدة، التي نبنيها معًا، بشعبها الأبي، ومؤسساتها السيادية، وعلى رأسها جيشها الوطني الشعبي، مفخرة الأمة وسندها الأبدي.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والتحية والإجلال لكل أبناء الجيش الوطني الشعبي الذين يصنعون، يومًا بعد يوم، في صمت وتفانٍ، مجد الجزائر القادمة، الجزائر المنتصرة.

عاشت الجزائر حرّة، أبية، موحّدة بشعبها وجيشها.

وعاش جيشنا الوطني الشعبي، تاج السيادة ودرع الأمة.

الكاتب : البروفيسور عبد القادر بريش النائب البرلماني ،خبير اقتصادي مهتم بقضايا الحوكمة وتقييم السياسات العمومية

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا