آخر الأخبار

حين يتحول السجن بالجزائر إلى فصل دراسي… ما الذي تقوله لنا أرقام النجاح خلف القضبان؟

شارك
بواسطة رفيق شلغوم
مصدر الصورة
الكاتب: رفيق شلغوم

مصدر الصورة

مقال رأي | كل أحد

الجزائر الآن _ في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات منتقدةً المنظومة التربوية بالجزائر لأسبابٍ متعددة، تأتينا الأرقام من مكانٍ لا يخطر على بال: خلف القضبان.

هناك، حيث يُفترض أن تنطفئ الأحلام، ينهض المحبوسون من عتمة الزنزانة إلى نور المعرفة.

فهل يُعقل أن يتحوّل السجن بالجزائر إلى مدرسة؟ بل إلى نموذج تربوي يتفوق في نتائجه على مؤسساتٍ حرة؟

هذا السؤال المربك يدفعنا إلى ما هو أبعد من الأرقام… إلى قلب المفارقة الجزائرية.

مصدر الصورة

في مشهد لم يكن مألوفًا قبل سنوات، أشرف وزير العدل حافظ الأختام، لطفي بوجمعة ، أمس السبت، على حفل تكريم المحبوسين المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط بالمؤسسة العقابية بالقليعة.

المناسبة في ظاهرها احتفالية، لكن أرقامها ومضامينها تستحق التوقف والتحليل.

حين نعلم أن نسبة النجاح في شهادة البكالوريا وسط المحبوسين بلغت %75.18، وأن هذا المعدل يفوق أحيانًا نظيره في بعض ولايات الوطن، نتساءل: هل نجحت المؤسسات العقابية في أداء دورها التربوي الذي طالما شَكّك فيه الكثيرون؟ وهل أصبح السجن فرصةً ثانية بدلًا من أن يكون نهاية الطريق؟

مصدر الصورة

من أصل 5.907 مترشّح، نجح 4.441 نزيلاً في امتحان البكالوريا.

أما في شهادة التعليم المتوسط، فقد تجاوز عدد الناجحين 2.200 من أصل أكثر من 4.000 مترشّح.

إنها أرقام لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، بل تدفعنا إلى إعادة النظر في صورة السجون الجزائرية، التي باتت – كما يبدو – أكثر من مجرد فضاء لعقوبة سالبة للحرية.

الوزير بوجمعة لم يُخفِ اعتزازه بهذه النتائج، معتبرًا أنها انعكاس لسياسة “إعادة التربية والتأهيل” التي تعتمدها الدولة.

فعلى امتداد السنوات الأخيرة، تم إدماج المحبوسين في برامج تعليمية شاملة: من محو الأمية إلى التعليم العالي، ومن التكوين المهني إلى الحرفي، وصولًا إلى دعم التعليم عن بُعد.

اليوم، يوجد أكثر من 45.000 نزيل منخرط في هذه البرامج، وهو رقم يعكس، في جوهره، إيمانًا بأن التغيير ممكن، وأن الإنسان ليس مجرد خطأ يُحاسب عليه، بل فرصة يجب أن تُستثمر.

مصدر الصورة

لكن، وسط هذا المشهد الإيجابي، تبرز أسئلة مقلقة:

لماذا ننتظر أن يدخل الشاب السجن حتى يلتفت إلى الدراسة؟

لماذا لا تحقق بعض المؤسسات التربوية في الخارج ما تحققه بعض المؤسسات العقابية من نتائج؟

وهل هذا يعني أن المشكلة في البيئة، أم في المنظومة؟

أسئلة قد تبدو جريئة وربما قاسية،
لكنني أتمنى، وبكل صدق، أن يطرح السيد وزير التربية هذه الأسئلة ويحاول الوصول إلى إجابات.

لأن ذلك سيسهّل الكثير والكثير.

ثمّة ما يدعو إلى التفاؤل، بلا شك، خاصة حين نعلم أن عدد المستفيدين من الإفراج المشروط بلغ قرابة 14 ألف نزيل في سبعة أشهر فقط، وهو ما يشير إلى ثقة الدولة في نجاعة برامج التأهيل.

غير أن هذا لا يعفينا من ضرورة توسيع دائرة التحليل:

كيف نضمن أن هؤلاء المتفوقين لن يعودوا إلى السجون لاحقًا؟

ما هي فرصهم الفعلية في سوق الشغل؟
وهل نملك استراتيجية وطنية فعلية لإعادة إدماجهم اجتماعيًا واقتصاديًا؟

نجاح المحبوسين هو رسالة مزدوجة:
للدولة بأن استثمارها في الإنسان لا يضيع،
وللمجتمع بأن الإقصاء ليس حلًا ولا قدرًا.

لكن هذه الرسالة ستظل منقوصة إن لم تُستثمر سياسيًا وتربويًا، خارج أسوار السجون، لبناء مجتمع يمنح أبناءه فرصةً ثانية… دون أن ينتظروا الزنزانة، فتكون هي آخر حل بعد استنفاد جميع الحلول.

إن ما تحقق خلف القضبان ليس مجرد نجاحات فردية في الامتحانات، بل هو انتصار لقيم الدولة الجزائرية حين تضع الإنسان في قلب مشروعها، حتى وهو في لحظة سقوط.

لقد أثبتت هذه التجربة أن الإرادة السياسية حين تلتقي بإرادة التغيير تصنع المعجزات، وأن الاستثمار في العقل البشري لا يعرف حدود الزمان ولا المكان (حتى ولو كان ذلك داخل الزنازين المغلقة).

فحين تحوّل الدولة مؤسساتها العقابية إلى فضاءات للتعلّم والتأهيل، وتمنح النزلاء أدوات النهوض بدل أغلال الإدانة، فهي لا تعيد تأهيل أفراد فقط، بل تبني مجتمعًا أكثر عدلًا، أكثر أمنًا، وأكثر إنسانية.

لا أعتبرها قصة نجاح داخل سجن، بل شهادة حيّة على أن الجزائر الجديدة يمكن أن تنهض من كل الأمكنة، وتبعث الأمل حتى من عمق العتمة.

شارك

الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا فلسطين مصر

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا