الجزائرالٱن _ لم يكن القرار الفرنسي بإلغاء مناورة جوية مشتركة مع المغرب في منطقة كلميم مجرّد حادثة عسكرية تقنية، بل يمكن قراءته في سياق أوسع يكشف هشاشة ما تحاول الرباط تقديمه من صورة عن جاهزيتها العسكرية وقدرتها على محاكاة جيوش الحلفاء الغربيين.
المعلومات المتداولة تفيد بأنّ المناورة، التي شاركت فيها ثماني مقاتلات مغربية من طراز F-16 وطائرات رافال فرنسية، أُلغيت بعد ساعة واحدة فقط بسبب ما وُصف بعجز الطيارين المغاربة عن مجاراة مستوى التنسيق المطلوب، خاصة في مهمة دقيقة مثل التزود بالوقود جوًا، وهي مهمة تُعد معيارًا أساسيًا لقياس كفاءة القوات الجوية الحديثة وقدرتها على العمل ضمن منظومة أطلسية متكاملة.
■ الطموح المغربي وحدود الجاهزية
لطالما حاول المغرب، عبر تحديث أسطوله الجوي والحصول على صفقات تسليح ضخمة، تقديم نفسه كقوة جوية قادرة على لعب دور محوري في شمال إفريقيا وواجهة المتوسط. غير أن الوقائع الميدانية تثبت أن التحديث التكنولوجي لا يعني بالضرورة بناء عقيدة تشغيلية متكاملة، أو توفير تدريب بمستوى المعايير الغربية.
فالمقاتلات المتطورة وحدها لا تصنع فارقًا حقيقيًا دون طواقم مدربة على مناورات معقّدة، خاصة تلك التي تتطلب دقة عالية مثل التزود بالوقود في الجو أو تنفيذ عمليات هجومية منسقة مع طيران أجنبي. وفشل طيارين مغاربة في تنفيذ هذه المهمة يفتح باب التساؤلات حول مدى واقعية الأرقام والإعلانات الدعائية التي تصدرها الرباط بشأن قدراتها الجوية.
■ البُعد الفرنسي: رسائل مزدوجة
من الجانب الفرنسي، يحمل إلغاء المناورة رسالة مزدوجة. فمن جهة، يؤكد أن باريس حريصة على معايير صارمة في تدريباتها مع الشركاء، خاصة مع اشتداد المنافسة الاستراتيجية في شمال إفريقيا والساحل. ومن جهة ثانية، يعبّر القرار عن انزعاج مستتر من غياب الاحترافية لدى شريك يُنظر إليه في باريس كجزء من شبكة النفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة.
ولا يمكن عزل هذا التطور عن فتور العلاقات الدبلوماسية مؤخرًا بين باريس والرباط، التي حاولت في السنوات الأخيرة نسج تقارب أكبر مع واشنطن وتل أبيب، في وقت تجد فيه فرنسا صعوبة في إعادة تثبيت حضورها الإقليمي أمام تحولات معقدة.
■ صورة الجيش المغربي: التحديات مستمرة
الأهم من ذلك أن هذا الإلغاء يُسلط الضوء على واقع المؤسسة العسكرية المغربية التي تتباهى بصفقات ضخمة مع الولايات المتحدة وغيرها، لكنها تواجه قيودًا على مستوى الكفاءة البشرية والتكوين العسكري القتالي العصري. ويطرح ذلك معضلة حقيقية أمام الرباط: فمجرّد اقتناء مقاتلات الجيل الرابع لا يعني بالضرورة الارتقاء إلى مستوى جيوش الأطلسي إذا غابت بيئة تشغيلية متكاملة وخطط تدريب طويلة الأمد.
■ مناورة صغيرة.. كشف كبير
قد تبدو مناورة جوية فاشلة تفصيلًا عابرًا في عيون البعض، لكنها في الحسابات الاستراتيجية تفضح فجوة بين الطموح السياسي العسكري لدولة كالمغرب وواقع قدراتها العملياتية. وفي المقابل، يُثبت الحادث مرة أخرى أن قوة الجيوش تُبنى بتراكم عقود من التكوين والانضباط والجاهزية وليس بمجرّد الصفقات والبيانات الصحفية.
وإلى أن تعيد الرباط ترتيب أولوياتها بين الدعاية والميدان، ستبقى مثل هذه الحوادث تذكيرًا بأن اختبارات السماء لا تقبل المجاملات، حتى بين حلفاء الأمس واليوم.