آخر الأخبار

محرم آخر يعود.. ماذا يعني للمسلمين؟

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائرالٱن _ يعود شهر الله المحرّم في ظل لحظة حرجة تمر بها الأمة الإسلامية، تتزاحم فيها الأزمات والمآسي، وتتنازعها قضايا العدالة، والهوية، والاستقلال الحقيقي. لكنه مع ذلك، يطلّ كموعد إيماني سنوي يعيد ضبط البوصلة، ويجدد الأسئلة الكبرى التي تحتاج الأمة لإجابات عنها، قبل أن تكرر أخطاءها أو تنسى رسالتها.

محرم والهجرة… عندما تُبنى الحضارات على الإيمان

في ذاكرة المسلمين، لم تكن الهجرة النبوية مجرّد انتقال جغرافي، بل تحوّل حضاري جذري. هي لحظة اجتمعت فيها العقيدة، والتخطيط، والثقة بالله، والعمل الجماعي، لإقامة نموذج إنساني راقٍ في المدينة المنورة.

وإذا كانت هذه اللحظة بداية التقويم الهجري، فلأنها لحظة تأسيس أمة. واليوم، تبدو الأمة بأمسّ الحاجة لاستلهام هذا التحوّل، في عالم تتسارع فيه الانهيارات الأخلاقية، وتتعرض فيه القضايا العادلة — وعلى رأسها فلسطين — لمحاولات الطمس والتصفية.

إن استقبال محرّم ليس طقسًا دينيًا فقط، بل دعوة للتذكّر: أن قيام الأمة مرّ ذات يوم من كهفٍ مظلم إلى نور المدينة، بإرادة رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

عاشوراء.. يوم يُختبر فيه الولاء للحق

في العاشر من هذا الشهر، يصوم المسلمون يوم عاشوراء شكرًا لله، على نجاته لنبيّه موسى عليه السلام من بطش فرعون. إنها قصة الخلاص من الظلم، تكررت مرارًا في تاريخ الأمة، وتُعاد روايتها اليوم أمام مشاهد القتل والعدوان والحصار، كما يحدث في غزة، أو في معسكرات اللجوء، أو خلف قضبان السجون.

صيام هذا اليوم ليس فقط عبادة فردية، بل تذكير سنوي بأن الله لا يُسلم عباده للمجرمين، وأن النصر حليف الحق، مهما طال البلاء.

الهجرة المستمرة… هل هاجرت من نفسك؟

قال رسول الله ﷺ: “والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”. ومع كل عام هجري جديد، يُسأل المؤمن: هل تحررت من غفلتك؟ من ضعفك؟ من عادةٍ تؤخر صلاحك؟

الهجرة لا تزال مفتوحة، ما دامت النفس تتأرجح بين الطاعة والمعصية، وبين الجُبن والكرامة، وبين الإهمال والمبادرة.

ومثلما غيّرت الهجرة الأولى واقع العرب، يمكن لكل واحد منا أن يُحدث تغييرًا صغيرًا في نفسه، أسرته، محيطه. فتلك هي نقطة البداية الحقيقية لأي نهضة مأمولة.

الجزائر وموسم الوعي الروحي

لطالما ارتبط محرّم في الوجدان الجزائري بموسم للتقوى، والتكافل، واستذكار سيرة الرسول ﷺ وصحابته. وفيه تُقام المجالس القرآنية، وتُحيى الذكريات النضالية التي جمعت بين الدين والوطن.

فالجزائر، التي خاضت حربًا تحررية ذات مرجعية روحية وأخلاقية، تجد في ذكرى الهجرة مرآةً لهويتها العميقة، وتجددًا لوعدٍ أخلاقي: ألا يُهدر دم شهيد، ولا يُنسى أسير، ولا تُساوَم قضية عادلة، خاصة في وقت تنخر فيه بعض المجتمعات موجات التطبيع والتفريط.

محرم ليس مجرد شهر… بل دعوة للاستفاقة

اليوم، وفي زمن التراخي، والنزاعات الهامشية، والانشغال بالسفاسف، يأتي محرّم ليطرح أسئلة صريحة:

ـ أين الأمة من وحدة صفّها؟

ـ أين ضمير المسلمين من مظلوميتهم؟

ـ وأين مشروعهم الحضاري في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء؟

الهجرة اليوم ليست هروبًا، بل تحوّلًا من الضعف إلى الوعي. والهجرة لا تُطلب من النبي ﷺ مرة ثانية، بل من كل واحد فينا: أن يهاجر من السلبية إلى العمل، من الحياد إلى الانحياز للحق، من الخوف إلى قول الكلمة الشجاعة.

العام لا يتغيّر، بل نحن من يجب أن نتغيّر

ليس في التوقيت الهجري ميزة سحرية، لكن فيه فرصة زمنية للتفكّر والتوبة. فكما يبدأ العام من محرّم، فلنبدأ معه هجرة جديدة… نحو الله، نحو إنصاف المظلوم، نحو النهوض الجماعي، نحو الحقيقة.

محرّم لا يعود ليملأ الرزنامة، بل ليملأ القلوب بما افتقدته من معنى.

شارك

الأكثر تداولا دونالد ترامب إيران أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا