الجزائرالٱن _ حلّ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي جمهورية مصر العربية والأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، ضيفًا على الجزائر، حيث زار جامع الجزائر الكبير، ضمن مشاركته في مؤتمر “التعارف الإنساني وأثره في ترسيخ العلاقات وتحقيق التعايش”، الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى.
وأبدى مفتي مصر، خلال زيارته لهذا الصرح الديني المهيب، إعجابه الشديد بما يمثله جامع الجزائر الكبير من رمزية معمارية وحضارية، معتبرًا إياه أكثر من مجرد مكان للعبادة، بل منارة علمية وروحية تعبّر عن جوهر الإسلام الذي يجمع بين الإيمان والعمران.
وأكد الدكتور عياد في كلمته التي ألقاها من داخل رحاب الجامع، أن الإسلام لا يدعو فقط إلى تزكية النفس وتهذيب السلوك، بل يقدّم مشروعًا متكاملًا لبناء الإنسان الواعي، من خلال منظومة قرآنية تقوم على التفكير والتأمل والاستقلال العقلي. وشدد على أن القرآن يرفض التبعية العمياء، ويحثّ على استعمال العقل، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾، ليؤكد أن الإيمان لا يجب أن يُبنى على التقليد، بل على الفهم والبصيرة.
كما لفت إلى أن استعمال العقل ليس خيارًا، بل هو واجب شرعي وأساس من أسس التكليف، وهو ما تؤكده الآيات العديدة التي تخاطب العقل والقلب والفكر، مثل: ﴿أفلا تعقلون﴾ و﴿أفلا تتفكرون﴾ و﴿أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها﴾. وأوضح أن هذه الدعوة المتكررة تؤكد أن جوهر الدين هو فهمٌ واعٍ وتمييز صادق بين الحق والباطل.
وفي حديثه عن القيم التي يبثها القرآن في بناء الإنسان، شدّد مفتي مصر على مركزية مبدأ الاعتدال والوسطية، الذي جعله الله سمة للأمة الإسلامية بقوله: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، مبينًا أن الوسطية ليست فقط في المواقف، بل في التوازن الشامل بين متطلبات الروح والجسد، وبين الحقوق والواجبات، وبين الحزم واللين. وقال إن الإسلام يعلّمنا كيف نكون رحماء دون تفريط في الحق، وأقوياء دون ظلم، وكيف نربي أنفسنا على الفهم والتوازن، لا على الغلو ولا على الانفلات.
ووصف الدكتور عياد هذا التوازن القرآني بأنه أساس إعداد الإنسان المعتدل، الذي يفكر بعقله ويزن قراراته ويعمل برشد. وقال إن هذا النهج ضروري في زمن تتلاطم فيه المواقف المتشددة والأفكار المنفلتة.
وقد رافق المفتي المصري خلال زيارته للجامع الكبير كل من السفير المصري لدى الجزائر مختار جميل، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور مبروك زيد الخير، إلى جانب نخبة من المسؤولين الجزائريين والعلماء، في مشهد عبّر عن عمق العلاقات الدينية والثقافية بين الجزائر ومصر، والتزام البلدين بقيم الوسطية والتعايش والاعتدال في الخطاب الديني.