الجزائر الآن ـ أثبت عناصر الجيش الوطني الشعبي، مرة أخرى، احترافيتهم وفعاليتهم الميدانية، وأن ما يُقال يُجسّد على الأرض، وفوق كل شبر من هذه الأرض الطاهرة، حيث تُصنع حقيقة السيادة والأمن.
في عملية نوعية جرت يوم 13 جوان 2025، نجحت مفارز مشتركة للجيش الوطني الشعبي بإقليم القطاع العملياتي شمالي شرق إن أمناس، في توقيف ثلاثة عناصر مسلحة من جنسية أجنبية، كانت بحوزتهم ترسانة خطيرة من الأسلحة والذخيرة، وكمية ضخمة من المؤثرات العقلية. وهو مشهد يعيد تسليط الضوء على نشاط الجماعات الإجرامية التي باتت تمتهن تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية، كما يؤشر بوضوح إلى تعقيدات الجغرافيا الحدودية وخطورة التهديدات المركّبة التي تواجهها الجزائر، خاصة عبر شريطها الحدودي الواسع.
كما تؤكد هذه العملية أن هناك حربًا من نوع خاص تُشنّ على الجزائر، تستهدف عقول شبابها، في محاولة لتحقيق أهداف وغايات لأطراف معادية، أصبح مخططها مكشوفًا ومعروفًا.
احترافية بكل المعايير
وبحسب المتابعين، فإن العملية لم تكن عادية، بل كشفت عن عدة مؤشرات تبرز احترافية وجاهزية أفراد الجيش، وحتى فعاليتهم الاستراتيجية.
وقد تم ضبط بندقية رشاشة من نوع FMPK وقناصة، إلى جانب سيارة رباعية الدفع وأجهزة اتصال متطورة، ما يدل على أن المجموعة كانت مجهّزة لتنفيذ عمليات مركزة أو التسلل نحو الداخل.
كما تم حجز أكثر من 2.3 مليون قرص مهلوس من نوع “بريغابالين”، ما يربط بين الإرهاب وشبكات التهريب والاتجار بالمخدرات، وهي استراتيجية معروفة لدى الجماعات المسلحة التي تلجأ إلى الجريمة المنظمة كمصدر تمويل.
وتبرز هذه العملية، وغيرها من العمليات التي نُفذت على طول الشريط الحدودي، اليقظة العالية لأفراد سليل جيش التحرير في تتبع تحركات الجماعات الإجرامية قبل أن تتحول إلى تهديد داخلي بفعل السموم التي تزرعها داخل المجتمع. وهو ما يتطلب، بحسب أحد الخبراء الأمنيين الذين تحدثت إليهم “الجزائر الآن”، “ليس فقط جهدًا استخباراتيًا عاليًا، بل أيضًا تكتيكًا عملياتيًا مرنًا ودقيقًا، وهو ما يجب توفره في أي عملية حتى يتم الإمساك بالخيط في التوقيت المناسب”.
الجيش في صدارة المعادلة الأمنية
وبحسب المصدر ذاته، فإن المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تُعد العمود الفقري للأمن الوطني، تقوم بدور محوري لا يقتصر فقط على مواجهة الإرهاب بالمعنى التقليدي، بل يشمل أيضًا التصدي لتهديدات العصر الجديدة، مثل الهجرة غير الشرعية، التهريب العابر للحدود، الجريمة السيبرانية، ومؤخرًا الحروب الهجينة.
واعتبر المصدر أن عملية إن أمناس الأخيرة تُعيد إلى الأذهان العمليات الاستباقية الناجحة التي نفذها الجيش في الجنوب، وفي ولايات مثل تمنراست وإليزي، ما يكرّس قاعدة أمنية تقول إن الجزائر تُؤمّن حدودها بالذكاء وليس فقط بالقوة، وبالعمل الميداني لا بالخطابات.
العقيدة العسكرية: من الردع إلى الوقاية
ويتفق المختصون في الشؤون العسكرية والأمنية على أن مؤسسة الجيش، ومنذ نهاية العشرية السوداء، وبعد أن قضت على الإرهاب داخليًا وساهمت خارجيًا في محاربته، قد طورت عقيدتها الأمنية وجعلتها هجينة، تقوم على الدمج بين الردع والوقاية، وبين العمل العسكري والاستخباراتي، وبين تطويق الخطر وإجهاضه في منبعه.
وبات واضحًا أن ما يحدث عبر الحدود مع دول الساحل لم يعد يُفهم إلا في إطار التحولات الإقليمية في إفريقيا والساحل، والتي تحاول فيها أطراف دولية زرع الفوضى على تخوم الجزائر.
من يقف خلف هذه المجموعات؟
تُطرح بعد نجاح هذه العملية النوعية التي نفذها الجيش الوطني الشعبي، عدة أسئلة مهمة، أبرزها:
من يقف وراء هذه المجموعات؟
هل هناك تنسيق بين شبكات تهريب المخدرات والجماعات المسلحة؟
إلى أي مدى تشكّل الحدود الجنوبية للجزائر بوابة للاختراقات الإقليمية؟
المؤكد أن نجاح الجيش في عملية إن أمناس هو رسالة واضحة وقوية لمن يهمه الأمر. ومن خلال هذه العمليات الناجحة والمتكررة، لا يبني الجيش فقط جدار صد أمني يحمي به أمن الجزائر، بل يُكرّس أيضًا صورة احترافية حديثة للمؤسسة العسكرية الجزائرية في المنطقة، كقوة استقرار لا تهديد.