آخر الأخبار

الجيش يتكلم بلغة المستقبل: الردع الجزائري في عصر الفوضى الذكية

شارك
بواسطة رفيق شلغوم
مصدر الصورة
الكاتب: رفيق شلغوم

_ مقال رأي

الجزائر الآن ـ من يقرأ افتتاحية مجلة الجيش اليوم، يقتنع أننا أمام مؤسسة تفرق جيدا بين التصرف “الاستراتيجي” والتصرف “العادي “، وهو ما يحسب لهذه المؤسسة الوطنية.

يسأل البعض: لماذا أقول هذا الكلام؟ وأجيب بما قاله رئيس الوزراء الصيني السابق “لي كي تشيانغ” عندما سأله الكاتب المصري الكبير “محمد حسنين هيكل”: كيف ترى العالم؟

وكانت إجابته: أفكار قديمة تقع، وأفكار جديدة تبحث عن طريقها.. ونظم قديمة تتهاوى، ونظم جديدة تتحسس مكانها، وفوضى في كل مكان.

الافتتاحية تؤكد بأن “الجزائر” تعرف تماما بأن عالما ينتهي وعالما على وشك أن يتشكل.

لكن ما أريد التأكيد عليه في هذا المقال، بأنه يتشكل بوسائله الحديثة، وعلى رأسها: الذكاء الاصطناعي..

نعم، نحن نرى ونعيش في عصر القوى العالمية لا تتدخل بالجيوش، بل بالمرتزقة والمؤسسات الأمنية والتكنولوجيا.

وبالتالي، أعتقد بأننا بحاجة بالغة إلى إعادة تعريف الأمن القومي، ليس فقط للجزائر، بل لجميع بلدان العالم.. لأن التعريف القديم لم يعد صالحا ولا ممكنا بعدما تجاوزته الأحداث، وغمرته التكنولوجيا، وسيلتهمه الذكاء الاصطناعي.

كنت ولا زلت من أنصار الواقعية السياسية..

وكنت ولا زلت مقتنعا بأنه عندما يكون لأي بلد “مصالح قومية”، ليس أمامه إلا أن يكون متواجدا..

كنت ولا زلت مقتنعا تماما، وزادت قناعتي ،بأنه محتوم علينا التعامل مع الملفات، بما فيها “الحساسة”، وعدم ترك الفراغ في الساحة، لأن ذلك معناه أن يأتي من يأخذها.

كنت ولا زلت، بل زادت قناعتي أكثر، بأن جهاز المخابرات والإعلام بمثابة اليدين للإنسان، واحدة يمنى والأخرى يسرى.

كنت ولا زلت مقتنعا، بل زادت قناعتي، بأننا بحاجة إلى “ الدبلوماسية السرية” في هذا العصر، أكثر من “الدبلوماسية المعلنة”. لأننا نرى ونعيش في عصر القوى العالمية لا تتدخل بالجيوش، بل بالمرتزقة والمؤسسات الأمنية والتكنولوجيا.

عصر القوى المباشرة لم يعد قائما .

بل نحن في عصر “القوى” تأخذ كل المكاسب من بعيد، وتترك لك كل المشاكل تحيط بك

وهو ما يعني استراتيجية خاصة تجهز في “مخابر” أكثر من خاصة وبكثير.

كنت ولا زلت مقتنعا، بل وزادت قناعتي، بأن القانون ليس سيدا في صراعات العالم.ولكن حقائق القوة لها السيادة الكاملة، والشرعية الدولية ليست قيمة منعزلة عن حقائق القوة.

ـ التحديات الجيو_ استراتيجية: الجزائر تواجه التحديات بالذكاء الاصطناعي لا بالحدود فقط

نعم، كنت ولا زلت مقتنعا، بل وزادت قناعتي بأن مجلة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، لتؤكد ما يجب تأكيده، في عالم جديد يتشكل بكل تعقيداته وحساباته وتحولاته الجيو-سياسية والجيو-استراتيجية، بل والجيو-تكنولوجية.

بمعنى: تتصاعد فيه التهديدات غير التقليدية..

نحن في عصر نتحدث فيه عن الجغرافيا الفضائية، والفضاء السيبراني، وثورة الذكاء الاصطناعي التي لم تكتمل ملامحها بعد، وقد تحمل معها مفاجآت لم تخطر على عقل بشر من قبل.

الجزائر، ومن خلال افتتاحية مجلة الجيش الصادرة اليوم الثلاثاء 10 جوان 2025، أكدت بوضوح بأن خيارها الاستراتيجي واضح ولا غموض فيه: بناء جيش عصري، قوي، وفعال، يؤمن السيادة الوطنية ويحفظ توازنات الإقليم.

نعم، يؤمن السيادة الوطنية ويحفظ التوازنات.

نعم.. يؤمن السيادة الوطنية ويحفظ توازنات الإقليم..

الجيش الوطني الشعبي، وكما عودنا دائما، جاءت افتتاحيته بلغة حازمة وواثقة، عبرت عن وعي المؤسسة العسكرية بحجم التحديات الأمنية والسياسية في محيط مضطرب، وبالتالي، ضرورة المضي قدما في مسار تطوير القدرات الدفاعية الشاملة، بما يعكس تطور العقيدة العسكرية الجزائرية في السنوات الأخيرة.

ـ عصرنة بلا هوادة: الجيش الوطني بين التمرين والتكوين

دائمًا ما أكون سعيدا عندما أسمع وأرى جيش بلادي يقطع أشواطا كبرى على درب العصرنة والتحديث.. من التكوين النوعي إلى التسليح عالي الدقة، ووفق مستلزمات ومتطلبات العصر الجديد القادم، مرورا بالتدريب والتخطيط العملياتي المكثف..

وهو ما تجسد بنجاح بالغ وواضح لا غبار عليه في التمرينات التكتيكية بالذخيرة الحية الأخيرة مثل “الحصن المنيع 2025” و”صمود 2025″، والتي كانت بإشراف مباشر من الفريق أول السعيد شنقريحة، ما يعكس الاهتمام البالغ والعناية الخاصة ببناء جاهزية الجيش لأي ظرف وفي أي وقت.

نعم، في أي ظرف وفي أي وقت، لأننا نعلم حجم التحديات ونقدر جيدا حقيقة الأخطار.

هنا أيضا، لا بد لي من الإشارة إلى ملاحظة معينة سجلتها، وقد يكون غيري أيضًا لاحظها، وهي أن التمارين العسكرية بالذخيرة الحية لم تكن مجرد استعراض تقني، بل جزء من فلسفة ردعية متكاملة، تقوم على “المزاوجة بين الكفاءة العملياتية والانتماء الوطني”، وهو ما عبر عنه الفريق أول سعيد شنقريحة خلال إشرافه على التمرين التكتيكي “صمود 2025″، وهو أيضا ما يشرح الصدر ويريح النفس ويطمئن القلب.

ليس فقط لأن للجزائر جيشا قويا واحترافيا وكفئا، بل ووطني حد النخاع.. وهو الأهم دائما عبر كل العصور.

ـ حين تصبح القوة الناعمة… سر السيادة الصلبة

افتتاحية المجلة أكدت أن المقاربة الأمنية الجزائرية لم تقتصر على الجانب العسكري الصرف. فالجزائر تعكس رؤية أوسع، حيث تتكامل الجهود الدفاعية مع تحرك دبلوماسي نشط يسعى إلى منع انزلاق الإقليم نحو الفوضى، مع رفض التدخلات الخارجية، واحترام مبدأ السيادة، وتغليب الحلول السياسية والسلمية.

وهو ما يعكس تمامًا الكلمة التي ألقاها رئيس أركان الجيش خلال إشرافه على فعاليات ملتقى وطني حول “الساحل الإفريقي: التحديات الأمنية والتنموية في ظل التجاذبات الجيو-سياسية بالمنطقة”، والذي عُقد بتاريخ 25 ماي الفارط.

تشرفت بحضور هذا اللقاء، الذي حضره كبار مسؤولي الدولة الجزائرية ومؤسساتها. واستمعت بعناية لكلمة الفريق أول، خاصة لما أكد بوضوح على التزام الجزائر بمبادئها الثابتة القائمة على حسن الجوار، واحترام سيادة الدول ووحدتها، وكذا تفضيلها للمقاربات السلمية المبنية على الحوار في الأزمات، وهي الجملة التي وضعت تحتها خطًا أحمر..

عندما أتحدث مع عدد من الإعلاميين والمتابعين العرب في الشأن الجزائري، أجدهم مقتنعين تماما بأنه لا يمكن لأي دولة عربية أو إفريقية أن تزايد على الجزائر في “مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود”، بل العديد منهم يسألني: كيف استطاعت الجزائر أن تهزم الإرهاب؟

وكانت إجابتي دائمًا ما تكون: نمتلك جيشًا وطنيًا واحترافيًا بكل ما تحمله كلمتا “وطني واحترافي” من معنى.

وكنت ولا زلت ما أركز على “الوطني” أكثر من أي عبارة أخرى، لأن قناعاتي بأن اكتساب الاحترافية أسهل وأيسر بكثير من اكتساب “الوطنية”.. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا داعي لسرد البعض منها في هذا المقال، لكنني سأعود إليها في مساحة أخرى ومقام آخر.

نعم، محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود تعتبر قاعدة ثابتة للجيش. وتم إدراج ذلك ضمن رؤية أمنية شاملة، تتجاوز الردع العسكري نحو دعم الاستقرار الإقليمي.

ـ المؤسسة العسكرية… استمرارية روح نوفمبر

لاحظت أيضا بأن الخط التحريري للمجلة أصر على الربط الرمزي بين الجيش الوطني الشعبي وجيش التحرير الوطني، ليس فقط كموروث تاريخي، بل كخط أيديولوجي واضح، يربط بين العقيدة القتالية وقيم الشهداء.

وفي هذا السياق، جاء اقتباس رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال الاستعراض العسكري في نوفمبر 2024، ليؤكد هذا الامتداد الرمزي والوظيفي للجيش كـ”ضامن لوحدة الجمهورية، وحام لودائع الشهداء”، وهو الأمر الذي لا يختلف عليه عاقل ينتمي لهذا الوطن الغالي.

ـ التحديات قائمة… لكن البوصلة واضحة

بين المناورات، والتحضيرات، والتجهيزات، والجهد الدبلوماسي، يتضح أن الجزائر تتعامل مع أمنها القومي بمنطق استباقي، لا يراهن على الظروف، ولا ينتظر حتى تأتيه المفاجآت على رجليها.

خاصة أننا نعيش في عالم لا يعترف إلا بالقوة والجاهزية، ما يُحتم على الجزائر بناء معادلتها الخاصة، التي تجمع بين الردع العسكري، والسيادة السياسية، والانتماء الوطني، في إطار مشروع دولة تسعى إلى صعود استراتيجي متوازن.

ـ حين يتكلم الجيش… فليصمت الغموض

حسب فهمي، الرسالة التي تحملها افتتاحية مجلة الجيش ليست موجهة للداخل وحسب، بل موجهة كذلك إلى من يعنيه الأمر في الخارج.

ومفاد الرسالة: الجزائر تراقب، تحلل، تستعد… ولكنها، كما كانت عبر التاريخ، لا تعبث حين يتعلق الأمر بالأمن الوطني.
بمعنى أوضح: الجزائر جاهزة.

الكاتب : رفيق شلغوم ، مؤسس ،ومدير صحيفة “الجزائر الآن” الالكترونية، وكاتب مقال “رأي” بعدد من الصحف العربية

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا