آخر الأخبار

الجائزة الذهبية لحجاج الجزائر: بين الاعتراف التقني والإشارات الجيوسياسية

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: رئيس التحرير

الجزائر الآن _ في عالمٍ تتقاطع فيه الشعائر الدينية مع الحسابات الجيوسياسية، ليس غريبا أن يتحوّل موسم الحج إلى مساحة ناعمة للنفوذ، واستعراض القدرات، وبناء الصورة الدولية. بل إن هذا الدور بات مطلوبا، ويعد من واجبات الدول الطامحة إلى تموقع ذكي ضمن العالم الإسلامي.

وسط هذا المشهد، تتوج الجزائر – للعام الثاني على التوالي – بالجائزة الذهبية “لبيّتُم”، التي تمنحها وزارة الحج السعودية للبعثات التي تحقق أعلى معايير التنظيم والخدمة.

في الظاهر، تبدو الجائزة اعترافاً تقنياً بنجاح بعثة الحج الجزائرية، التي أظهرت قدرة عالية على التسيير والانضباط.

لكن في العمق، هناك ما هو أعمق من البعد الإداري، يمكن قراءته من ثلاثة مستويات:

1. التتويج كأداة ناعمة للنفوذ

المملكة العربية السعودية، باعتبارها الحاضنة للحرمين الشريفين، تستخدم “دبلوماسية الحج” كإحدى أدوات القوة الناعمة، لتقوية علاقاتها مع الدول الإسلامية. ومنح جائزة بهذا المستوى، مرتين متتاليتين، لدولة مثل الجزائر، ليس فعلاً بروتوكولياً فقط.

بل هو، في نظري، رسالة واضحة: نحن نُثمّن التنظيم الجزائري، ونرغب في توسيع مجالات التعاون معه.

في المقابل، على الجزائر أن تقرأ هذا التتويج في سياق إعادة التموضع الإقليمي والديني.

إذ تحاول البلاد أن تعود إلى الساحة الإسلامية كقوة متوازنة، تجمع بين الأصالة الدينية والحضور الجيوسياسي الرصين.

2 . نحو نموذج حج جزائري؟

بعيداً عن المجاملات، لا بد من الاعتراف: تنظيم الحج الجزائري شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الرقمنة، والطب الوقائي، والجاهزية الإدارية.

لكن السؤال الجوهري هو:
هل يمكن تحويل هذا التتويج إلى “نموذج حج جزائري”؟

أي نموذج لا ينجح فقط في مكة، بل يُعكس على المنظومة الدينية الجزائرية ككل:
من تسيير المساجد، إلى تكوين الأئمة، ومن الحوكمة الدينية، إلى صناعة الصورة الإسلامية للبلاد.

نجاح بعثة الحج يجب أن يكون انطلاقة لتصور أوسع لوزارة الشؤون الدينية، يكون فيه التنظيم الحج واجهة لرؤية كاملة حول إدارة الشأن الديني، داخلياً وخارجياً.

3. من الحج إلى الدولة

نجاح الجزائر – بشهادة المملكة العربية السعودية – في تنظيم بعثتها، إذا أُحسن توظيفه، يمكن أن يتحول إلى عنوان كبير:
دولة تعرف كيف تنظم، تخطط، وتخدم مواطنيها في الخارج كما في الداخل.

هذا النجاح لا يجب أن يُختزل في صورة الوزير الدكتور يوسف بلمهدي يتسلم درعاً تكريمياً، بل يجب أن يكون في صورة “عقل دولة” يبني مشروعاً متكاملاً: من الكفاءة التقنية إلى الاستحقاق الرمزي، ومن الإنجاز الموسمي إلى السيادة الناعمة.

الجائزة الذهبية ليست مجرد درع، بل هي امتحان.

ونجاحنا فيه لا يقاس بعدد الكاميرات التي نقلت لحظة التسليم، بل بقدرتنا على تحويل هذا الاعتراف إلى قوة ناعمة دائمة، ونموذج إداري يُقتدى به في كل مؤسسات الدولة.

بمعنى: أن يصبح النجاح قاعدة، لا استثناء.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا