الجزائرالٱن _ في لحظة سياسية وإنسانية نادرة، وصفت رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار ما يجري في قطاع غزة بأنه “إبادة جماعية”، وهي كلمات تنبع من عمق وجدان يلمس معاناة الفلسطينيين بصدق وشفافية قلّما سمعها المجتمع الدولي على هذا المستوى. هذه التصريحات التي أطلقتها اليوم أمام البرلمان الأوروبي، جاءت كأنها صوت يحمل نبض قلب جزائري، يتحدث بجرأة وبلا مواربة عن مأساة طال صمت العالم تجاهها.
قالت بيرك موسار، أمام نواب البرلمان الأوروبي، بوضوح غير مسبوق:
“ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، ما يحدث في غزة هو مجزرة. لا يمكنني أن أظل صامتة بينما الأطفال والنساء الأبرياء يُقتلون. على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك، أن يقف في صف الإنسانية، لا يمكننا أن نغض الطرف عن هذا الظلم.”
هذه التصريحات تُمثل قطيعة مع لغة الدبلوماسية الرمادية التي ظلت لعقود تُهيمن على الخطاب الأوروبي تجاه الاحتلال والمعاناة الفلسطينية. لكن الأكثر لفتًا هو التوقيت والمناخ الذي قيلت فيه هذه الكلمات، إذ جاءت بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى ليوبليانا، وهي زيارة لم تكن مجرّد لقاء سياسي، بل بدت وكأنها لحظة استنارة إنسانية، أزالت كثيرًا من الغشاوة التي تحجب الرؤية في العواصم الأوروبية عن حقيقة ما يحدث في غزة.
المتابعون لهذا التقاطع اللافت بين موقف موسار وزيارة تبون يرون أن صوت رئيسة سلوفينيا لم يكن مجرد تعبير عن موقف رسمي، بل هو صدى لرسالة جزائرية نُقلت بأمانة وحرارة خلال زيارة الرئيس تبون، الذي لطالما عبّر عن القضية الفلسطينية باعتبارها “قضية وطنية جزائرية”. وفي أجواء تلك الزيارة، بدا أن المقاربة الجزائرية، الواضحة والمبدئية تجاه فلسطين، قد تركت أثرًا عميقًا في نفوس بعض القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم موسار.
ولعل استخدام رئيسة سلوفينيا لعبارات مثل “إبادة جماعية” و”مجزرة” يعبّر عن تحوّل نوعي في خطاب سياسي ظل متردّدًا أمام المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة. إنها المرة الأولى التي يعلو فيها هذا الصوت في مؤسسة أوروبية بهذه الجرأة، وكأن الجزائر التي لطالما حملت شعلة فلسطين في المنتديات الدولية، قد مرّرت شيئًا من روحها إلى صديقتها الأوروبية الصغيرة.
التصريحات تركت أصداء واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الأوروبية، لا سيما وأنها جاءت من رئيسة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، تحدثت من داخل المؤسسة التشريعية الأعلى في القارة، وبلغة تلامس الضمير مباشرة دون لف أو دوران.
وفي ظل هذا التحوّل، يرى محللون أن الدور الجزائري بدأ يستعيد زخمه على الساحة الدولية، ليس فقط من خلال التصريحات بل عبر تحريك مواقف حقيقية لدى شركائه. فموقف سلوفينيا الأخير قد يُشكل نقطة تحوّل في الوعي الأوروبي، ويعيد الاعتبار للمبادئ الإنسانية فوق الحسابات الجيوسياسية الضيقة.
لقد بدت كلمات ناتاشا موسار وكأنها تعبير صادق عن ضمير استيقظ، وربما كانت الجزائر هي من أيقظه. فحين يتلاقى الموقف الأخلاقي مع البعد السياسي العادل، يُمكن لصوت صغير أن يزلزل الصمت الكبير. وسلوفينيا، التي لم تكن تُحسب ضمن الدول المؤثرة في ملف الشرق الأوسط، قالت اليوم ما عجزت عنه قوى كبرى: أن تسمي الأشياء بأسمائها.