الجزائرالٱن _ تتسارع الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد. اشتباكات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن أدت إلى مقتل متظاهر وعنصر أمن، فيما يتزايد عدد الاستقالات داخل الحكومة، وسط إعلان المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي عن سحب شرعية الحكومة.
يرى متابعون أن خروج الشارع الليبي إلى العصيان المدني والاحتجاجات الحاشدة يحمل دلالات عميقة تتعلق بفقدان الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة وقدرتها على توفير الأمن والاستقرار الاقتصادي والخدمات الأساسية. هذا الغضب الشعبي يعكس أزمات تراكمت طيلة سنوات، وتصاعدها الآن في مواجهة إدارة حكومية فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار.
ومن زاوية أخرى، تبرز أزمة الانقسامات الجهوية والقبلية التي اتخذت أبعاداً أكثر حدة، إذ أن الإجراءات التي اتخذها الدبيبة ضد ميليشيات معينة، ودعمه لميليشيات من مدينة مصراتة، فاقمت حالة الاحتقان في طرابلس، حيث اعتبرها الكثيرون محاولة فرض هيمنة جهة معينة بالقوة، والتمركز حول الثروات النفطية ومؤسسات الدولة المالية.
على الأرض، اتخذت الأزمة منحى تصعيدياً مع إعلان البرلمان الليبي في المنطقة الغربية تكليف النائب العام بالتحقيق مع رئيس الحكومة ومنعه من السفر، مؤكدًا أن حكومة الدبيبة فقدت شرعيتها منذ سنوات، وأن سقوطها الآن هو نتيجة حتمية لإرادة الشعب الليبي. البرلمان أعلن كذلك عن تنسيقه مع المجلس الأعلى للدولة لتشكيل حكومة جديدة، داعياً إلى جلسة عاجلة لمناقشة التطورات.
في المقابل، نفت الحكومة استقالة أي من أعضائها أو مسؤوليها، إلا أن تأكيدات متزايدة من داخل أروقة الحكومة تفيد بخلاف ذلك، مما يضفي مزيداً من الغموض على الوضع الداخلي ويؤكد عمق الانقسام.
أما على الصعيد الدولي، فقد بات واضحاً أن الدعم الذي كانت تحظى به حكومة الدبيبة من حلفائها التقليديين في تراجع، مع مؤشرات على تخلّي تركيا عن دعمها المباشر، بما في ذلك إعادة تقييم دور سفارتها في طرابلس، وتحذيرات متداولة تطالب الدبيبة بالتخلي عن السلطة مقابل ضمانات للحماية.
في هذا السياق، يبدو أن المشهد الليبي مقبل على تحولات جذرية قد تعيد رسم خارطة السلطة السياسية في البلاد، وسط غياب قدرة حكومة الوحدة الوطنية على احتواء الغضب الشعبي وتوحيد الأطراف المتنازعة.
يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الأطراف السياسية من تجاوز الانقسامات والمصالح الضيقة، لإنقاذ ليبيا من المزيد من الفوضى والانقسام؟ أم أن الأزمة ستتعمق لتفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية واشتداد النزاع المسلح، مع تبعات خطيرة على مستقبل الدولة ومصير شعبها؟