اختُتمت في بغداد أعمال القمة الرابعة والثلاثين لجامعة الدول العربية، التي بحثت التحديات المستمرة في المنطقة وفي مقدمتها الوضع في غزة.
وحضر القمة، إلى جانب القادة والمسؤولين العرب، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
وجاءت هذه القمة بعد اجتماع طارئ عُقد في القاهرة في مارس/آذار الماضي تبنى خلاله القادة العرب خطة لإعادة إعمار غزة، تتضمن عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وتمثل طرحاً بديلاً لمقترح قدّمه ترامب يقضي بتهجير السكان ووضع القطاع تحت سيطرة واشنطن.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مؤتمر صحفي قبل أيام من عقد القمة، إن قمة بغداد "ستدعم" قرارات قمة القاهرة.
وجاءت قمة بغداد كذلك في ظلّ تواصل الغارات الإسرائيلية على غزة حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية، وبعد جولة خليجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أكّد رغبته في "امتلاك" القطاع.
وتزينت شوارع العاصمة العراقية بغداد، التي تستضيف القمة للمرة الأولى منذ عام 2012، بأعلام الدول العربية الـ 22.
فيما بدت الحياة في شوارع بغداد طبيعية، إذ وجهت الحكومة العراقية بأن تكون شوارع العاصمة خالية من أي مظاهر مسلحة، باستثناء مركبات شرطة المرور والشرطة المحلية، في خطوة تهدف إلى طمأنة الوفود العربية والزوار وإظهار قدر من الاستقرار الأمني والسياسي.
ويُعد هذا المشهد مختلفاً عن القمة العربية السابقة التي استضافتها بغداد عام 2012، حيث فُرض حينها حظر شامل للتجوال وشُددت الإجراءات الأمنية إلى أقصى درجاتها.
وانطلقت، إلى جانب القمة العربية الـ 34، أعمال القمة العربية التنموية الخامسة، حيث سلّم لبنان الذي ترأس القمة التنموية السابقة، رئاسة الدورة الحالية إلى العراق.
وأكد البيان الختامي للقمة العربية الرابعة والثلاثين على مركزية "القضية الفلسطينية" بكونها "قضية الأمة" وعصب استقرار المنطقة، كما دعا لوقف الحرب في غزة، وحثّ المجتمع الدولي على الضغط من أجل وقف ما وصفها بـ "إراقة الدماء" وضمان إدخال المساعدات.
ودعا البيان لتقديم الدعم المالي والسياسي من أجل إعادة الإعمار في قطاع غزة، مشدداً على "الرفض القاطع" لأي شكل من أشكال التهجير والنزوح للشعب الفلسطيني.
وطالب البيان بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية إلى حين "تنفيذ حل الدولتين".
وأكد بيان القمة على "احترام" خيارات الشعب السوري، والحرص على أمن واستقرار سوريا، ورفض جميع التدخلات في شؤونها، مديناً ما وصفها بـ "الاعتداءات الإسرائيلية" على أراضيها.
كما رحّب البيان برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، مشيداً بجهود السعودية في هذا الصدد.
وتضمن البيان تأكيداً على دعم لبنان والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، مطالباً إسرائيل بـ "الانسحاب الفوري وغير المشروط" من الأراضي اللبنانية.
وعبّر البيان عن "تضامن" الدول العربية مع اليمن في حفاظها على سيادتها ووحدتها ودعم الجهود لتحقيق الاستقرار والأمن ولإنهاء حالة الحرب والانقسام.
وأكد على أهمية إيجاد حل سياسي لإيقاف الصراع في السودان بالشكل الذي "يحفظ سيادته ووحدة أراضيه، وسلامة شعبه".
وخلال كلمات القادة العرب وضيوف القمة، أكد الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، رفض بلاده تهجير الفلسطينيين، مشدداً على أهمية تسوية الخلافات في المنطقة بالوسائل السلمية، ورفض ما وصفها بـ "سياسة الإملاءات والتدخلات الخارجية واستخدام القوة".
فيما أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، عن إطلاق مبادرة "صندوق التضامن العربي" لإعمار غزة ولبنان بإشراف الجامعة العربية، مؤكداً إسهام بلاده بمبلغ 20 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، و20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان.
ودعا السوداني إلى "عمل عربي جاد" ومسؤول لـ "إنقاذ غزة" وإعادة تفعيل عمل منظمة الأمم المتحدة "الأونروا".
بدوره، وصف أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الحرب في غزة بأنها "حرب إبادة يباشرها متطرفو اليمين الإسرائيلي لفرض السيطرة على فلسطين كاملة وطرد سكانها خارجها"، مؤكداً أن "قضية الشعب الفلسطيني" وحقه بدولة مستقلة قضية رئيسية للجامعة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال كلمته، إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في غزة، مؤكداً رفضه لـ " تهجير سكان غزة وأي تهجير قسري خارج قطاع غزة أيضاً".
وقال غوتيريش إنه لا شيء يبرر "الهجمات الإرهابية التي قامت بها حماس"، ولا مبرر لـ "العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني"، مضيفاً أن حل الدولتين وحده الذي يستطيع تحقيق سلام مستدام.
وخلال كلمته، طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بإنهاء ما وصفها بـ "الكارثة الإنسانية في قطاع غزة" فوراً، مشدداً على أن أرقام الضحايا في حرب غزة "مهولة وغير مقبولة وتنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي".
وأشار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض "لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية تهدف إلى طمسه وإبادته وإنهاء وجوده في قطاع غزة"، مطالباً الرئيس الأمريكي ببذل الجهود والضغط لوقف إطلاق النار في القطاع.
وطالب الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، بتبني خطة عربية لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق السلام، داعياً إلى إطلاق عملية سياسية تبدأ وتنتهي بمدة زمنية محددة لتنفيذ حل الدولتين وتشييد الدولة الفلسطينية.
وأبدى عبّاس استعداده لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال العام المقبل كما جرى سابقاً، فور "توفر الظروف الملائمة".
فيما وصف رئيس الوزراء الأردني، جعفر حسّان، "ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه" على أنه "عنوان المرحلة".
وقال رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إن لبنان "فتح صفحة جديدة في تاريخه"، ملتزماً بالإصلاح في مختلف المجالات وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيه وحصر السلاح بيده.
وأشار سلام إلى أن لبنان لا يزال يعاني من "استمرار احتلال إسرائيلي لمواقع في أراضيه ومن خروقات إسرائيلية يومية لسيادته".
ودعا نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، إبراهيم جابر، القمة العربية للمساهمة في إعادة إعمار السودان، متهماً قوات الدعم السريع، باستخدام "أسلحة متطورة ومرتزقة أجانب وتلقي دعم إقليمي".
بدوره، طالب رئيس مجلس القيادة اليمني، القمة العربية بتصنيف جماعة أنصار الله الحوثية "منظمة إرهابية أجنبية"، متهماً إياها بتشكيل "تهديد دائم للسلم والأمن الدوليين".
فيما أكدت السعودية على ضرورة أمن الممرات البحرية وسلامتها وحرية الملاحة فيها.
ولم يحضر رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، اجتماع القمة العربية، بعد أن قوبلت دعوته إلى القمة بانتقادات شديدة من سياسيين عراقيين بارزين "موالين لإيران" على مدى أسابيع، إذ ترأس وزير خارجيته أسعد الشيباني وفد البلاد.
وقال الشيباني خلال كلمته، إن الإدارة الانتقالية في سوريا تضع "اللمسات الأخيرة" لانطلاق العمل لأجل "برلمان وطني"، وتشكيل لجنة دستورية تكتب دستوراً دائماً.
وأكد الشيباني رفض بلاده أن تكون "في محور ضد محور آخر"، وأن تكون "ساحة لصراعات الآخرين"، مشيراً إلى أن سوريا تشهد "دعماً لتشكيلات انفصالية في البلاد".
وفي هذا السياق، أعلن المغرب إعادة فتح سفارته في دمشق المغلقة منذ 2012.
ورحّب أمين جامعة الدول العربية، برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، مشيراً إلى أن ذلك سيسهم بخلق وضع اقتصادي جديد يعزز من قدرة الشعب السوري على مواجهة المستقبل بثقة.
فيما شدد الأمين العام للأمم المتحدة، على ضرورة أن يكون للحكومة اللبنانية كامل السيطرة على أراضيها، كما أكد أن السيادة والاستقلال في سوريا أمور ضرورية ومهمة.
وطالب الرئيس المصري بدوره بترسيخ مرحلة انتقالية شاملة في سوريا "بدون إقصاء أو تهميش"، على حدّ وصفه.
وأبدى رئيس الوزراء اللبناني، استعداد بلاده للتعاون مع سوريا لإعادة اللاجئين السوريين الذين استضافهم لبنان منذ عام 2011 إلى بلداتهم التي "أصبحت آمنة".