الجزائرالٱن _ في خطوة جديدة تؤكد تصاعد الخطاب المتشدد في السياسة الفرنسية تجاه الهجرة، أصدر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو تعميمًا جديدًا يفرض قيودًا إضافية على الأجانب الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية، تحت غطاء “تعزيز قيم الانتماء”، في إشارة لا تخلو من نزعة إقصائية متنامية.
وخلال زيارة إلى ضاحية كريتاي، لم يتردد روتايو، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، في وصف القرار بـ”الاختراق”، معتبرًا أن الجنسية ليست مجرد حق قانوني بل “استحقاق”، يتطلب – حسب قوله – ما وصفه بـ”الجدارة” والانصهار الكامل في النمط الفرنسي.
إقصاء مقنّع ومحددات تعجيزية
التعميم الجديد، الذي جاء ليعدل توجيهات سابقة أصدرتها الحكومة مطلع العام، يضع ثلاثة شروط صارمة لتجنيس الأجانب، أولها احترام القانون الفرنسي، مع توصية للمحافظين برفض طلبات كل من كان في وضعية غير نظامية ولو في فترة سابقة، في استهداف مباشر لفئات المهاجرين الذين تم تسوية أوضاعهم في ظروف إنسانية أو استثنائية.
أما المعيار الثاني، فيفرض مستوى أعلى في إتقان اللغة الفرنسية، إلى جانب اختبار في “المواطنة”، يبدأ العمل به في مطلع 2026، ويهدف إلى تقييم مدى “تشرب” المتقدمين لما تسميه فرنسا “تاريخها وثقافتها”، في إشارة إلى رغبة سياسية واضحة في تطويق الهويات المتعددة وصهرها في رؤية أحادية للتاريخ والاندماج.
شرط العمل… أداة لفرز اجتماعي؟
الشرط الثالث يخص الوضعية الاقتصادية للمتقدمين، حيث طالب الوزير الإدارات الإقليمية بالتدقيق في “الاستقلال المالي” لمقدمي الطلبات، بما يُقصي بشكل غير مباشر أولئك الذين يعتمدون – ولو جزئيًا – على الإعانات الاجتماعية. هذا البند يعكس مقاربة تضع الفئات الهشة والطبقات العاملة في موقع الرفض المسبق، رغم سنوات إسهامهم في الاقتصاد الفرنسي.
رؤية يمينية بغطاء إداري
الخطوة التي جاءت مرفقة بنص تفسيري من خمس صفحات وميثاق “الحقوق والواجبات”، وُزّعت على المحافظين، تُفهم في سياق تحضير برونو روتايو لاستحقاقات انتخابية قادمة، إذ يسعى عبر هذه الملفات “الشعبوية” لاستمالة التيار اليميني الفرنسي الغاضب من “تراخي” الدولة في ملف الهجرة.
وفي الوقت الذي تدافع فيه السلطات الفرنسية عن هذا التوجه باعتباره جزءًا من “إصلاح إداري”، يرى مراقبون أنه جزء من ديناميكية سياسية أشمل تُعزز تصاعد اليمين في أوروبا، وتُخفي خلف شعارات السيادة والانتماء أجندة إقصائية، تهدد التعددية الثقافية التي بُنيت عليها فرنسا المعاصرة.
أرقام تكشف التناقض
اللافت أن إعلان تشديد الشروط يأتي في سياق تزايد عدد المجنّسين، حيث منحت فرنسا جنسيتها لأكثر من 66 ألف شخص في 2024، بارتفاع تجاوز 8% عن العام الماضي، في مفارقة تُظهر ازدواجية في الخطاب: بين واقع إداري يُقر بالتنوع، وخطاب سياسي لا يتورع عن عزف نغمة الانغلاق القومي.