في الأول من ماي، حيث يعلو صوت الكادحين، وترفع الرايات تخليدًا للعمال، يستحيل الحديث عن عيد العمال في الجزائر دون التوقف بإجلال أمام اسم خالد في ذاكرة الأمة، وهو عيسات إيدير، الرجل الذي لم يكن مجرد نقابي، بل كان ضميرًا حيًا للطبقة العاملة الجزائرية، وصوتًا جهوريًا شديدًا في زمن الصمت والبطش.
ولد عيسات إيدير سنة 1919 في قرية جمعة صهاريج بولاية تيزي وزو، وسط بيئة فلاحية بسيطة، حمل منذ شبابه هموم شعبه، وواجه واقع الاستعمار الفرنسي الذي سحق حقوق الإنسان والكرامة.
دخل معترك الحياة مبكرًا بعد أن حالت الظروف دون إكمال دراسته، ليبدأ رحلة طويلة من النضال داخل أوساط العمال، بقناعة راسخة مفادها أن تحرير الإنسان هو أساس تحرير الوطن.
أسس عيسات إيدير في عام 1956، وسط نيران الثورة الجزائرية، الاتحاد العام للعمال الجزائريين UGTA، ليكون أول تنظيم نقابي جزائري حر، يعبر عن مطالب العمال ويحتضن طموحاتهم. لم يكن الأمر سهلًا أبدًا ، إذ أن النشاط النقابي في ظل الاستعمار الفرنسي كان محفوفًا بالمخاطر، لكن عيسات آمن أن الكرامة لا توهب، بل تنتزع بالنضال والإصرار.
قاد إضرابات واحتجاجات عمالية صاخبة أربكت المستعمر، ونسق بين الجبهة الداخلية للنقابات والثورة المسلحة. وكان يعلم أن معركة التحرر لا تخاض فقط بالبندقية، بل أيضًا بالوعي والتنظيم.
ولم يتردد حين اقتيد إلى السجون، ولم ينكسر حين تعرض لأبشع أصناف التعذيب. وفي 26 جويلية 1959، فاضت روحه في مستشفى مصطفى باشا بعد اعتقاله وتعذيبه على يد السلطات الفرنسية.
ليتحول إلى رمز خالد، يحمل اسمه أكبر مقر نقابي في الجزائر، وترفع صوره في كل المحافل العمالية. ولتصبح سيرة عيسات إيدير درسًا في الوفاء للمبدأ، والانتماء للوطن، والوقوف مع البسطاء دون مقابل.
في النهاية علينا ان نتذكر جميعًا بأن عيد العمال ، ليس يومًا فقط يستحق أن نحتفل به ونتحدث عنه، بل هو عيد رسمته شخصية نادرة ولونته بعرقها ودموعها، وهو بالفعل يوم عيسات إيدير، ابن الجزائر الحر، الذي عاش ومات واقفًا، ولم يبحث مثلما قرأنا عنه وسمعنا عن سيرته الكثير، عن مجد شخصي، بل عن مستقبل كريم لأجيال لم تولد بعد.