الجزائرالٱن _ تشهد العلاقات بين الجزائر وتركيا مرحلة متقدمة من الانسجام والتعاون، مدفوعة بإرادة سياسية قوية لدى الطرفين منذ توقيع اتفاقية الصداقة سنة 2006، والتي تعززت بوتيرة متسارعة بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية في نهاية 2019.
وفي هذا السياق، شرع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم الأحد، في زيارة رسمية إلى الجزائر تمتد ليومين، تشمل محادثات موسعة مع المسؤولين الجزائريين حول الملفات الثنائية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
اجتماع مشترك ومشاريع واعدة
الزيارة تتضمن عقد الدورة الثالثة لمجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين، برئاسة كل من فيدان ونظيره الجزائري أحمد عطاف، إلى جانب لقاء مبرمج بين فيدان والرئيس تبون.
وتندرج الزيارة ضمن التحضيرات الجارية لعقد الدورة القادمة لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، التي يُنتظر أن تنعقد خلال الزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى أنقرة.
ومن المنتظر أن تركز المباحثات كذلك على سبل تعميق التعاون الاقتصادي، بما في ذلك الدفع بحجم التبادل التجاري نحو هدف الـ10 مليارات دولار، إلى جانب تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والصناعات الدفاعية.
قضايا إقليمية في صلب النقاش
يحمل فيدان في جعبته ملفات ساخنة لمناقشتها، من بينها الوضع في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي، بالإضافة إلى التطورات الجارية في سوريا وغزة، وسط توافق واسع بين البلدين على دعم الحلول السياسية ورفض السياسات العدوانية.
من التأسيس إلى التمكين
العلاقات الجزائرية التركية ليست طارئة، بل تعود بجذورها إلى فجر الدولة الجزائرية المستقلة عام 1962، وإن كانت الروابط بين الشعبين تمتد لقرون منذ عهد خير الدين بربروس.
شهدت هذه العلاقة تحولًا نوعيًا مع بداية الألفية الجديدة، من خلال تكثيف التعاون السياسي والاقتصادي، وافتتاح السفارة التركية في الجزائر عام 1963، قبل أن يتوّج المسار بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون سنة 2006.
لقاءات على أعلى مستوى
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار الجزائر مرتين منذ 2020، وخلُصت الزيارة الأخيرة في نوفمبر 2023 إلى توقيع 13 اتفاقية تعاون، أبرزها تمديد عقد توريد الغاز الجزائري، وتوسيع رقعة الاستثمارات التركية في البلاد.
وأكد أردوغان خلال مشاركته في منتدى الأعمال الجزائري التركي أن بلاده تُعد أكبر مستثمر أجنبي خارج قطاع المحروقات، معربًا عن أمله في رفع الاستثمارات إلى 10 مليارات دولار، مقارنة بـ6 مليارات حاليًا.
أما الرئيس تبون فقد وصف الشراكة بين البلدين بأنها نموذجية، مشيدًا بالتفاهم السياسي الكبير والتقارب الاقتصادي المتسارع.
دبلوماسية منسقة بشأن فلسطين وليبيا
يتقاطع الموقفان الجزائري والتركي في ملفات محورية، أبرزها القضية الفلسطينية، حيث أكدت أنقرة مرارًا دعمها لجهود الجزائر الرامية إلى وقف العدوان الصهيوني على غزة، وكان آخرها خلال مكالمة هاتفية بين تبون وأردوغان في عيد الفطر الماضي.
أما في ليبيا، فيتمسك البلدان بمخرجات مؤتمر برلين كأرضية لإعادة بناء الدولة الليبية على أسس سلمية وشاملة.
نقلة نوعية في الاستثمارات
في الأشهر الأخيرة، تم اتخاذ خطوات ملموسة لترسيخ الشراكة الاقتصادية، من بينها منح رخصة لبنك “زراعات” التركي للعمل بالجزائر في فبراير 2025، وتدشين شركة “A Jet” لرحلاتها الجوية إلى الجزائر بداية من جانفي الماضي.
وفي نوفمبر الماضي، احتضنت إسطنبول أول منتدى للاستثمار الجزائري التركي، حيث أكد وزير التجارة التركي عزم بلاده تسريع اتفاقية التجارة التفضيلية مع الجزائر، مشيرًا إلى أن الشراكة بين الجانبين تفتح آفاقًا كبيرة في قطاعات عدة.
كما وصف الوزير التركي الجزائر بأنها بوابة تركيا نحو إفريقيا، في حين تُمثل تركيا نافذة للجزائر إلى آسيا الوسطى ومنطقة أوراسيا.
تعاون عسكري وتكنولوجي
في سياق التعاون الدفاعي، رست سفينة حربية تركية في ميناء الجزائر في يوليو الماضي، ضمن برنامج التعاون العسكري المتبادل، بينما شارك مسؤولون أتراك رفيعو المستوى في فعاليات اقتصادية ودولية بالجزائر، منها المعرض الدولي الـ55.
وخلال تلك المناسبات، تم التأكيد على أن الشركات التركية أنجزت مشاريع تفوق قيمتها 21 مليار دولار في الجزائر، خصوصًا في قطاع البناء والأشغال العمومية.
أرضية مشتركة نحو المزيد
من جهة أخرى، ناقش وزير النقل التركي خلال زيارته للجزائر في سبتمبر 2023، إنشاء فريق عمل في مجال صيد السمك وبناء السفن، ما يعكس التوجه نحو تنويع مجالات التعاون.
وتعمل الشركات التركية حاليًا على زيادة استثماراتها في الجزائر، وهو ما تم تأكيده في زيارات متعددة لوزراء الطاقة والخارجية الأتراك خلال السنتين الأخيرتين.
الجزائر إلى جانب تركيا في الشدائد
ولم تتأخر الجزائر في إظهار تضامنها خلال كارثة الزلزال التي ضربت تركيا في فيفري 2023، حيث قدمت مساعدات مالية وعينية تجاوزت 30 مليون دولار، فضلاً عن إرسال فرق إنقاذ ودعم ميداني، ما أظهر عمق الروابط بين الشعبين.