آخر الأخبار

اليمين المتطرف الفرنسي وهجومه الشرس المباشر على الجزائر

شارك
بواسطة البروفيسور الجيلالي شقرون باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
مصدر الصورة
الكاتب: البروفيسور الجيلالي شقرون باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

الجزائرالٱن _ قبل الحديث عن الأزمة الجزائرية الفرنسية وتداعياتها على العلاقات بين البلدين حري بنا أن نعرج على التعريف باليمين المتطرف الفرنسي وذلك من أجل فهم خلفيات الصراع.

اليمين المتطرف في فرنسا:

تعود جذور اليمين المتطرف في فرنسا إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث نشأت حركات قومية متشددة خلال فترة الجمهورية الفرنسية الثالثة. من أبرز هذه الحركات “الحركة الفرنسية” (Action française)، التي تأسست في عام 1899، والتي كانت تروج لقومية إثنية ممزوجة بمعاداة السامية وكره الأجانب المهاجرين . ومن أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا “التجمع الوطني” (Rassemblement National)، الذي تأسس في عام 1972 بقيادة جان ماري لوبان. وأصبح الحزب قوة سياسية مؤثرة في فرنسا، حيث حصل على 35 مقعدا في الانتخابات التشريعية لعام 1986. وفي السنوات الأخيرة، برزت شخصيات مثل مارين لوبان، ابنة جان ماري لوبان، التي تولت قيادة الحزب وواصلت تعزيز مواقفه القومية المتشددة. كما ظهر إيريك زيمور، الصحفي والمرشح الرئاسي السابق، الذي يعرف بتصريحاته المثيرة للجدل ضد المسلمين والمهاجرين. وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف لم يصل إلى السلطة التنفيذية في فرنسا، إلا أنه أصبح قوة سياسية مؤثرة، حيث حصل على نسبة كبيرة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. تُظهر استطلاعات الرأي أن هذا التيار يحظى بدعم متزايد من قطاعات معينة من المجتمع الفرنسي، مما يثير قلقًا بشأن تأثيره على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.

وتتمثل أزمة الجزائر وفرنسا في مجموعة من القضايا التاريخية والسياسية المعقدة، وأبرزها تلك التي نشأت مع الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1962) والحرب التحريرية التي اندلعت من أجل استقلال الجزائـــر من براثين فرنســـا ) 1954-1962. ( ففي عام 1830، بدأت فرنسا احتلال الجزائر، مما أدى إلى استغلال الموارد الطبيعية وقتل وإبادة الجزائريين بشكل همجي ومصادرة الأراضي وتفكيك الشبكة الاجتماعية للمجتمع الجزائري من خلال سن مجموعة من القوانين الردعية وبالتالي العمل على القضاء على القبائل والعروش وإنشاء الدواوير بموجب قانون سيناتيس كونسيل Senatus Consult.

هذا الاحتلال استمر لأكثر من 130 عاما، وكان له تأثيرات عميقة على الهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية في الجزائر.

: بعد عقود من الاستعمار، اندلعت حرب تحريرية في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، سميت بحرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) تلك الحرب كانت عنيفة للغاية استطاع الشعب الجزائري من خلالها انتزاع الاستقلال. ورغم أن الجزائر حصلت على استقلالها في 1962، إلا أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا استمرت في التوتر بسبب المسائل المتعلقة بالماضي الاستعماري) مسألة الذاكرة التاريخية) التي تشبثت بها الجزائر، مثل الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا خلال الاستعمار، وحقوق الضحايا خاصة تلك المتعلقة بالتفجيرات النووية في الصحراء.

وفي السنوات الأخيرة، عاد موضوع الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر إلى السطح، حيث طالبت الجزائر فرنسا بالاعتراف بالفظائع التي ارتكبت أثناء فترة الاحتلال، كما تتطرق النقاشات إلى مسائل مثل تعويض ضحايا الاستعمار والمفقودين.

تربط الجزائر وفرنسا علاقات دبلوماسية وتجارية مهمة، لكن في الفترة الأخيرة ظهرت فيها مشكلات جديدة مثل الهجرة، وقضية الذاكرة، والتعاون العسكري في قضايا الأمن في منطقة الساحل، مما دفع باليمين المتطرف إلى توسيع هوة الخلافات بين البلدين كمعاداة الأجانب، ومعارضة الهجرة والمطالبة بتغيير بعض القوانين المتعلقة بها، وركز على تعزيز الهوية الوطنية الفرنسية، ورفع شعار معاداة للمسلمين والإسلام، بالإضافة إلى تمسكه بقيم تقليدية محافظة.

جذور الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا

تعود إلى دعم الجزائر لجبهة البوليساريو في سعيها لاستقلال الصحراء الغربية، بينما تعترف فرنسا بسيادة المغرب على المنطقة خاصة بعد الزيارة التي قام بها ماكرون واعترف بذلك مخترقا مجلس الأمن الذي هو عضو دائم فيه والقوانين الدولية التي وقعت عليها فرنسا من أن الصحراء منطقة تنازع عليها ووقوف هيئة الأمم المتحدة إلى جانب الصحراويين. هذا الاختلاف في المواقف أدى إلى توترات دبلوماسية بين البلدين، والزيارة الأخيرة لوزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي للصحراء الغربية التي اعترفت فيها بمغربية الصحراء الغربية، ويعتبر هذا خرقا للقانون الدولي الذي يعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

إضافة إلى قضية الذاكرة الاستعمارية، فإن هذا الملف يظل نقطة خلافية تؤثر على العلاقات الثنائية. وقضية المؤثرين الجزائريين الأخيرة حيث أوقفت السلطات الفرنسية عددا من المؤثرين الجزائريين المقيمين على أراضيها بتهم الإرهاب والتحريض على العنف والكراهية. هذه الإجراءات أثارت استياء الجزائر، خاصة عندما تم ترحيل أحدهم، مما زاد من تعقيد العلاقات بين البلدين كقضبة بوعلام صنصال والمؤثر بوعلام الجزائري.

وفي الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توترات متزايدة بسبب تصريحات وتصرفات من بعض المسؤولين الفرنسيين، مما دفع الجزائر إلى اتخاذ ردود فعل حاسمة.

وقد استنكر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تصريحات مارين لوبان، رئيسة حزب “التجمع الوطني” الفرنسي، التي اعتبرت مسيئة للجزائر، وأكد السيد تبون أن الحزب لا يزال يضم عناصر تحمل أفكارا استعمارية، مشددا على ضرورة احترام سيادة الجزائر وكرامتها. وقد استغل عدد من الشخصيات اليمينية واليمينية المتطرفة مثل إدوار فيليب وجوردان بارديلا وإيريك سيوتي قيام السلطات الجزائرية بإعادة مؤثر على تيك توك رحلته باريس إلى الأراضي الفرنسية، لتجديد المطالبة بإنهاء هذه الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1968. خلق هذا الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ بعد ست سنوات من استقلال الجزائر وضعا فريدا للمواطنين الجزائريين من حيث التنقل والإقامة والعمل في فرنسا. كان الهدف في الأصل تسهيل الهجرة الاقتصادية لتلبية الحاجة القوية للعمالة في فرنسا وقتها.

وبشكل ملموس، يتضمن هذا النص تدابير تجعل وصول وتسليم تصاريح الإقامة للمواطنين الجزائريين أكثر مرونة. على سبيل المثال، فهم يحتاجون إلى التقدم بطلب للحصول على تأشيرة للإقامة لأكثر من ثلاثة أشهر، على عكس الأجانب الآخرين، ولكن يجب عليهم بدلاً من ذلك طلب بطاقة إقامة، وهي عملية يسهل الوصول إليها. وقال القيادي في حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، جان فيليب تانغــــي على قنــاة BFMTV: ” نحن خاضعون للنظام الجزائري منذ أكثر من 50 عامًا. حان الوقت لإنهاء سريع جدا لهذا النص”.

وكذلك تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون في يناير 2025 التي عبرت منظمات جزائرية مرتبطة بالثورة التحريرية عن استنكارها لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي اعتُبرت تحرشا عدائيا ضد الجزائر، وجاء ذلك بعد تعليق ماكرون على توقيف الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر، حيث اعتبرته تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية للبلاد.

يحدث كل هذا في فترة انكماش للاقتصاد الفرنسي حيث أظهرت البيانات الأولية انكماش الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0.1% في الربع الرابع من العام الماضي، مما يبرز الحاجة إلى استراتيجيات فعّالة لتعزيز النمو الاقتصادي مع ارتفاع في المواد الغذائية الأساسية وتدهور الأوضاع الاجتماعية، والأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا في زمن قياسي رفع الثقة عن حكومتين، وخروج فرنسا من العديد من الدول الأفريقية تحت الضغط الأفريقي وزوال مصالحها فيها. وفي الفترة الحالية، تشهد الساحة السياسية والاقتصادية في فرنسا تطورات هامة تؤثر على استقرار البلاد وتوجهاتها المستقبلية.

إضافة إلى التحديات المالية حيث تسعى الحكومة إلى تقليص العجز المالي إلى ما بين 5% و5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية 2025، بهدف ضمان استدامة النمو الاقتصادي. ومع ذلك، تواجه فرنسا تحديات كبيرة في تقليص الدين العام، الذي وصل إلى مستويات قياسية (أكثر من 3000 مليار دولار)، حيث بلغت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي 112% بين عامي 2023 و2024.

وهناك الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أوروبا بأكملها ومسألة توريد فرنسا بالغاز الطبيعي ومشكل توليد الطاقة الكهربائية التي انعكست على المواطن الفرنسي في دفع مستحقات الاستهلاك بسبب ارتفاع أسعار هذه المادة الأساسية.

وفي الأخير على فرنسا أن تراجع حساباتها مع الجزائر وتتبنى سياسة التعقل في معالجتها للخلافات بين البلدين، وأن تهتم بمشاكلها الداخلية وهذا ما أدركه الشعب الفرنسي الذي أصبح يطالب الحكومة الفرنسية بإيجاد حلول لمشاكلهم والابتعاد عن التدخل في شؤون الجزائر والتوقف عن الإساءة لها وللجزائريين المقيمن في فرنسا كما أكدت على ذلك سيغولين روايال وغيرها من المثقفين الفرنسيين.

شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا