مع انتهاء عام 2024، يبرز مشهد الجزائر كدولة غنية بالإنجازات والتحديات. من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الرياضة إلى الثقافة، شهدت الجزائر أحداثًا فارقة تركت بصماتها في الذاكرة الوطنية والدولية. في هذا المقال، نستعرض أبرز المحطات التي ميزت سنة 2024، وكيف تمكنت الجزائر من تعزيز قوتها ووجهها المشرق على الساحة الدولية.
شهدت الجزائر في سبتمبر 2024 إعادة انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون لعهدة ثانية، بعد انتخابات مبكرة أثبتت استقرار البلاد السياسي. ورغم هذه الاستمرارية، واجهت الحكومة تحديات عديدة، أبرزها التوترات مع فرنسا التي تفاقمت بسبب اعتقال الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال. هذا الحادث كان له تأثير كبير على العلاقات الثنائية، مما استدعى تحركات دبلوماسية عاجلة.
كانت الجزائر في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، في عام 2024 ومثل كل عام، أثبتت الجزائر التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية من خلال تقديم دعم سياسي ودبلوماسي قوي. في عام 2024، شهدت غزة تصعيدًا ملحوظًا في الاعتداءات الصهيونية، مما أسفر عن تدهور الأوضاع الإنسانية. القصف العنيف أدى إلى دمار واسع، وازدادت الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية وكانت الجزائر حاضرة بمواقفها ثابتة، حيث حذرت من التجاوزات والاعتداءات الصهيونية وضرورة الاعتراف بحقوق الفلسطينيين. كما نظمت الجزائر مؤتمرات دولية لجمع الدعم العربي والإسلامي لفلسطين، مشددة على أهمية الوحدة في مواجهة التحديات. بالإضافة إلى ذلك، قدمت البلاد مساعدات إنسانية للفلسطينيين في القطاعين الصحي والتعليمي، وأطلقت حملات للتوعية بالقضية الفلسطينية في العالم العربي. كانت الجزائر دائمًا صوتًا مدافعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، مما يعكس التزامها العميق بالقضية وتعزيز التضامن العربي.
من الناحية الاقتصادية، حققت الجزائر إنجازات ملحوظة في 2024، حيث تم تخصيص ميزانية قياسية بلغت 115 مليار دولار. هذا الاستثمار الضخم ساهم في تعزيز البنية التحتية وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.9%. ومع ذلك، لم تكن الأمور سهلة، فقد واجهت الجزائر تحديات مثل عدولها عن تجديد طلب انضمامها إلى مجموعة “بريكس” رغم استثمارها 1.5 مليار دولار في البنك الجديد لهذه المجموعة.
بفضل استراتيجياتها المدروسة، شهدت البلاد زيادة ملحوظة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما ساهم في خلق آلاف فرص العمل.
كما تم إطلاق مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية، مما ساهم في تحسين النقل والاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الجزائر ريادتها في مجال الطاقة المتجددة، حيث استثمرت في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح لتلبية احتياجاتها الطاقوية.
كل هذه الجهود تجسد رؤية الجزائر الطموحة نحو مستقبل اقتصادي مستدام وقوي، مما يعزز مكانتها كداعم رئيسي للتنمية في المنطقة.
في مجال الزراعة، أطلقت الجزائر مشروع “بلدنا” لإنتاج الحليب بالتعاون مع قطر، بتكلفة تصل إلى 3.5 مليار دولار. كما تم إعادة تنشيط مشروع “غارا جبيلات” لاستغلال مناجم الحديد، مما يعزز قدرة الجزائر على تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي. وفي 2024 أكد رئيس الجمهورية على أن الاكتفاء الذاتي التام أصبح قريب المنال بإنتاج البلاد 80 في المائة من احتياجاتها من القمح الصلب، كما أمر الرئيس بتحديد هدف استراتيجي للوصول إلى توسيع المساحات المزروعة في الجنوب الكبير إلى 500 ألف هكتار خاصة مع استثمار دولة قطر 117 ألف هكتار، وإيطاليا 36 ألف هكتار، علاوة على استثمارات وطنية بـ 120 ألف هكتار.
في قطاع السيارات، شهدت الجزائر بداية إنتاج مصنع فيات بطفراوي ، الذي أنتج أكثر من 18,000 مركبة في 2024. هذا التطور يعكس الجهود المستمرة نحو تصنيع محلي يساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد.
على الصعيد الرياضي، كانت 2024 سنة مميزة للجزائر، حيث تألقت رياضياتها في دورة الألعاب الأولمبية في باريس. حققت إيمان خليف إنجازًا تاريخيًا بفوزها بالميدالية الذهبية في الملاكمة، لتصبح أول جزائرية تفوز بلقب أولمبي في هذا المجال. كما حققت كايلا نيمور ميدالية ذهبية في الجمباز، مما يعكس تطور الرياضة النسائية في البلاد.
ورغم إخفاق منتخب كرة القدم في كأس أمم إفريقيا، إلا أن الفريق تمكن من التأهل لكأس أمم إفريقيا 2025 دون هزيمة، مما يبعث على الأمل في المستقبل.
إلى جانب الإنجازات السياسية والاقتصادية والرياضية، شهدت الجزائر 2024 تحسينات ملحوظة في عدة مجالات أخرى. فقد تم تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد من خلال جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مما ساهم في توفير بيئة آمنة للمواطنين والزوار.
كما اتخذت الحكومة خطوات جادة نحو تطوير المبادرات البيئية، حيث تم إطلاق مشاريع لحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وفي مجال الصحة، تم تحسين الخدمات الصحية من خلال استثمارات جديدة في البنية التحتية الصحية، بالإضافة إلى برامج للتصدي للجائحة.
وفي التعليم، تم تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تحسين جودة التعليم وتوفير فرص تدريب مهني أكبر للشباب. وقد صاحب ذلك دعم الابتكار والتكنولوجيا عبر إنشاء حاضنات أعمال تدعم المشاريع الناشئة وتساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي.
علاوة على ذلك، كانت الأنشطة الثقافية والفنية مزدهرة، حيث شهدت البلاد تنظيم مهرجانات ومعارض ثقافية تعكس التنوع الثقافي الغني للجزائر.
شهدت الجزائر في 2024 فقدان العديد من الشخصيات البارزة التي تركت بصماتها في مختلف المجالات. من بينهم:
– محي الدين خالف: أسطورة كرة القدم الجزائرية، الذي قاد فريق شبيبة القبائل إلى العديد من البطولات.
– رشيد مخلوفي: لاعب تاريخي قدم الكثير لكرة القدم الجزائرية وساهم في بناء جيل جديد من اللاعبين.
– يوسف بوزيد: مدرب محترم ساهم في تطوير فرق عديدة وأثر بشكل إيجابي على اللاعبين.
– لخضر بورقعة: أحد أبرز المجاهدين الجزائريين، وبرز كقائد للولاية الرابعة خلال الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. يُعتبر رمزًا للنضال من أجل الحرية والاستقلال، حيث ساهم في تحقيق السيادة الوطنية، وتوفي في 2024، تاركًا إرثًا خالدًا في ذاكرة الشعب الجزائري.
– نور الدين سعودي: فنان موسيقي بارز أثرى الثقافة الأندلسية.
– حسن عباسي: مطرب شعبي ترك إرثًا فنيًا غنيًا. وقد ترك الفن لممارسة الطب.
على الرغم من التحديات التي واجهتها الجزائر في 2024، فإن الإنجازات المحققة تعكس إرادة قوية للتقدم والتطور. مع دخول عام 2025، تتطلع الجزائر إلى مستقبل أكثر إشراقًا، حيث تواصل جهودها لتنويع الاقتصاد وتعزيز رفاهية المواطنين. إن هذه الرحلة تتطلب تضافر الجهود والتزامًا جماعيًا، مما يجعل الجزائر على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافها الوطنية.
بفضل سياساتها الحكيمة ومواردها الغنية، تبقى الجزائر دولة محورية في المنطقة، تسعى دائمًا لتكون نموذجًا يحتذى به في التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي.