آخر الأخبار

زعيمةٌ من ناث ايراثن تحدّت السلطان أبو الحسن المريني

شارك الخبر

نالت المرأة في المجتمعات الأمازيغية الكثير من الاحترام، وحظيت بمكانة مرموقةٍ أهّلتها لنيل مراكز قيادية في المجتمع. فالمتأمل في صفحات كتب التاريخ، سيشعر بالدهشة وهو يقرأ عن نساءِ أمازيغيات صار لهنّ نفوذٌ اجتماعيٌ وسلطانٌ سياسيٌّ لافت.

جميعنا تنامى إلى سمعه خبرٌ عن تلك الزعيمة الجراوية، التي اشتهرت بالكاهنة، واسمها ديهيا، لقد قادت جموع المقاتلين الأشاوس بسفوح وقمم الأوراس الأشمّ، فكانت شخصيّتها القوية تجعل الجميع يأتمر بأمرها.

لقد وقفت ضدّ القائد المسلم حسّان بن النعمان، ثمّ تغلبت على المسلمين وطردتهم إلى إقليم أفريقية، لكنْ ساءت سياستها فيما بعد وضجر النّاس منها، فرأى القائد حسّان أنّ الفرصة قد صارت سانحة لأجل القضاء على هذه الزعيمة التي اعتبرت آخر ملوك البربر الأقوياء.

ومن ذكاء الكاهنة أنّها أوصت قبيل مقتلها أولادها إن هي قُتلت أن يبايعوا حسّان بن النعمان، فكانت تلك الوصية هي سبب إقبال قبائل جراوة ونفزاوة وغيرهم على الإسلام، وسرعان ما صار أبناءها ضمن قادة الفتح الذين أدخلوا الإسلام إلى المغرب الأقصى ثمّ بلاد الأندلس.

لم تكن الكاهنة حالة شاذّة، فمن يقرأ تاريخ المرابطين، سيجد أنّ المؤرخين قد تحدّثوا عن ظاهرة فريدة، لا تزال توجد إلى اليوم في المجتمع التارقي، فالنساء هناك يتّصفن بالقوة ويشاركن في اتخاذ القرارات المصيرية.

كانت النساء الصنهاجيات أيام دولة المرابطين يمارسن السياسة ويساهمن في تدبير الملك، على غرار زينب النفزاوية التي بفضل دهائها صار يوسف بن تاشفين زعيما للمرابطين وأميرا للمسلمين.

كما كان قادة المرابطين في الغالب يُنسبون إلى أمهاتهم، فنجد من أسماء القادة المرابطين: ابن عائشة، ابن فاطمة وابن غانية، وهي أسماء تؤكّد مدى الفخر بالمرأة وعدم الشعور بالحرج عند ذكر اسمها.

وقد أزعج هذا النفوذ الذي حظيت به المرأة المرابطية بعض الفقهاء والمحتسبين، فاتّخذ ابن تومرت من ذلك ذريعة للتشنيع عليهم وحشد النّاس ضدّهم.

وبعد هذا التمهيد الذي لا بدّ منه، سنسرد عليكم اليوم قصة عن شخصية من تلك الشخصيات التي لا يعرفها كثيرٌ من الجزائريين، وربما لم يسمع بها حتى بعض المتخصصين في التاريخ، إنها الشَّيخة شمسي الزواوية.

والسبب في عدم انتباه الكثير من المؤرخين لهذه الشخصية هو أنّ اسمها ورد كإشارة سريعة عند ابن خلدون في تاريخه ضمن استطراد من استطراداته المهمّة، والنصّ الذي تحدّث عن الشيخة شمسي فيه تصحيفٌ كغيره من نصوص تاريخ ابن خلدون، ذلك التاريخ الذي يتطلب منا عنايةً خاصّة واهتمام جادا.

يخبرنا المؤرخ الكبير عبد الرحمن ابن خلدون أثناء حديثه عن قببيلة زواوة وفروعها، عن فرع بني يراثن، فذكر أنّهم يستوطنون جبالا شاهقة متوعرة تنذعر منها الأبصار ويضل في غمرها السالك.

ثمّ أشار إلى بيت الرئاسة في فرع بني يراثن فذكر أنه بيت بني عبد الصمد، فكانت الزعامة تنتقل بين أبناء هذا البيت يتوارثونها بينهم، إلى أن انتقلت إلى الشيخة شمسي. وكان ذلك في أيام تغلب سلطان المغرب الأقصى أبي الحسن المريني على مملكتي تلمسان وتونس.

أخبرنا ابن خلدون عن سبب انتقال هذه الزعامة إلى امرأة، فذكر أنّ شمسي كان لها عشرة أولاد، ولاشكّ أنهم كانوا شجعانا لذلك استفحل شأن والدتهم بهم وملكت عليهم أمرهم. فقد استغلّت الشيخة شمسي رابطة الأمومة وسلطانها على الأبناء في التجمعات الأمازيغية، لتصبح شيخةً على قبيلة زواوة، ويذعن الجميع لسلطانها.

تمكّنت هذه الشيخة أن تتحدى السلطان أبو الحسن المريني في أوج قوّته، وذلك أنّ السلطان المريني أغضبه ابنه يعقوب، فقام بالقبض عليه سنة 737هـ، وكان هناك خادمٌ يُرافق ابنه ويعملُ خازنَ مطبخٍ عنده، فلجأ هذا الخازن إلى بني يراثن وزعم أنه هو ابن السلطان، وأظهر التمرد ضد والده أبي الحسن.

قبلت الأميرة شمسي إجارة هذا الوافد الذي طلب اللجوء عندها، ورفضت تسليمه رغم ما بذله السلطان لها ولأبناء قبيلتها من مال، وعجز السلطان عن مواجهة الشيخة شمسي، فهي مستقرّة بمكان منيع، وبأرض وعرة، وحولها مقاتلون أشاوس.

شاع في القبيلة أمر هذا المحتال، وعلموا أنّ الوافد عليهم هو مجرد رجل ماكر يدّعي الانتساب إلى السلطان، وهنا طلبت الشيخة شمسي منه مغادرة أرضها، ولم تقم بإرساله أسيرا إلى السلطان أبي الحسن ربّما شفقةً عليه من مصير القتل الذي سيلقاه، ولو قامت بتسليمه فمن المؤكّد أن السلطان أبي الحسن كان سيكرمها ويُجزل مثوبتها، لكنّ مكارم الأخلاق التي تحلّت بها هذه الزعيمة الأصيلة منعتها من ذلك، لذلك اكتفت بأن أمرت هذا المحتال بمغادرة أرضها، فغادر بني يراثن و لحق بالعرب الذواودة أمراء رياح، ونزل على سيّدهم يعقوب بن عليّ.

بعد هذه الواقعة توطدت علاقة هذه الأميرة بالسلطان أبي الحسن، فوفدت عليه مع قومها وبعض بنيها فبالغ السلطان المريني في تكريمها، وأحسن صلتها وأجاز الوفد ورجعت بهم إلى موطنها، ولم تزل الرياسة في بني عبد الصمد.

إنّ هذه الزعيمة التي ورد اسمها ضمن تاريخ ابن خلدون، ولو بإشارة عابرة، تؤكّد لنا مدى مكانة المرأة في المجتمعات الأمازيغية عبر التاريخ، تلك المكانة التي لا تزال إلى اليوم راسخة لا تتزعزع، وشواهد المكان تؤكّد ذلك، فتسمية قمم الجبال بأسماء نساءٍ أمازيغيات على غرار هضبة لالة ستي بتلمسان، و قمة يما قورايا ببجاية التي هي حسب بعض الباحثين امرأة أمازيغية، دون أن ننسى المجاهدة لالة فاطمة نسومر التي تزعمت المقاومة في منطقة القبائل ضد المحتل الفرنسي، هي كلّها شواهد تؤكد مكانة المرأة الأمازيغية وشخصيتها القيادية.

الإخبارية المصدر: الإخبارية
شارك الخبر


إقرأ أيضا