في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بين قصف إسرائيلي متصاعد وحديث عن اقتراب انقضاء مهلة نزع سلاح حزب الله ، يبدو المشهد اللبناني عالقا بين حرب استنزاف مفتوحة ومواجهة شاملة لا يريدها أحد، لكنها تبقى احتمالا قائما في أي لحظة.
ومع استمرار التصعيد الإسرائيلي على الحدود، تدور أسئلة عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الطرفان في اختبار ميزان الردع، وعمّا إذا كانت واشنطن قادرة على ضبط إيقاع التصعيد قبل الانفجار الكامل.
تلك هي المحاور التي ناقشها برنامج "سيناريوهات" لاستشراف مستقبل المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، والخيارات المطروحة بين الاستمرار في حرب محدودة أو الانزلاق نحو صدام شامل.
حيث رأى الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، أن إسرائيل تخوض في لبنان "حربا محسوبة" تسعى منها إلى إضعاف قدرات حزب الله دون الوصول إلى مواجهة واسعة قد تفتح جبهة جديدة تشتعل فيها المنطقة كلها.
فتل أبيب ، وفق قراءته، تدرك أن جبهتها الداخلية ليست مؤهلة لحرب طويلة، لكنها تجد في التصعيد المتدرج وسيلة لإعادة ترميم قوة الردع التي تآكلت بعد معركة غزة، ولهذا تواصل عملياتها اليومية في الجنوب اللبناني على نحو يسمح بضغط متواصل دون تكلفة سياسية أو عسكرية باهظة.
بينما يوضح الباحث السياسي اللبناني الدكتور علي مراد، أن حزب الله يتعامل مع المعادلة بمنطق "الردع المتبادل"، فليس في مصلحته جرّ لبنان إلى حرب شاملة تدمر ما تبقى من اقتصاده الهش، لكنه في الوقت ذاته يرى أن التراجع أمام إسرائيل يعني نهاية دوره الإقليمي والرمزي في محور المقاومة .
لذا، فإن حزب الله يوازن بين الحفاظ على صورة الرد القوي وبين عدم تجاوز الخطوط التي تستدعي حربا لا يمكن التنبؤ بمداها.
أما الكاتب والمحلل السياسي هادي القبيسي، فيؤكد أن الساحة اللبنانية صارت مسرحا لصراع إرادات أكثر منها مواجهة حدودية محدودة، فإسرائيل تحاول من خلال عملياتها اليومية فرض واقع جديد في الجنوب بما يشبه "منطقة أمنية غير معلنة"، بينما يسعى حزب الله لمنعها من تحقيق ذلك ولو باستنزاف طويل الأمد.
ورصدت الحلقة أيضا، أن التباين بين الرؤية الأميركية والإسرائيلية هو أحد العوامل الكابحة للحرب الشاملة، فالإدارة الأميركية لا تريد فتح جبهة جديدة تجهض جهودها في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة أو تضعها في مواجهة مباشرة مع إيران .
لذلك تمارس واشنطن ضغوطا مزدوجة على الطرفين، تقوم على دفع إسرائيل إلى الاكتفاء بالردع الجوي، وحث حزب الله على عدم اختبار صبرها، في وقت تفتح فيه قنوات خلفية عبر وسطاء أوروبيين لتثبيت "هدوء هش" مؤقت.
غير أن هشاشة الوضع الميداني وغياب الثقة المتبادلة يجعلان كل تهدئة مؤقتة قابلة للانفجار، فعمليات القصف الإسرائيلية في العمق اللبناني تشير إلى الاقتراب من حافة الهاوية، وكل خطأ في الحساب قد يقود إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه.
وهنا، يبرز السيناريو الأول، الانزلاق إلى مواجهة شاملة إذا ما قررت إسرائيل توجيه ضربة قاصمة لقيادة الحزب أو بنيته الصاروخية، وهو ما يرى مهند مصطفى أنه سيؤدي إلى توريطها في حرب مفتوحة تتجاوز الحدود اللبنانية وتعيد خلط أوراق المنطقة بأكملها.
أما السيناريو الثاني فهو الاستنزاف الطويل الذي يراه القبيسي الأكثر واقعية في ضوء ميزان القوى الحالي، فكل طرف يحقق عبره مكاسب تكتيكية دون تحمل عبء الحرب الكبرى.
ومنه، تواصل إسرائيل اختبار دفاعات حزب الله وتحسين جاهزية جبهتها الشمالية، في حين يعزز الحزب موقعه داخل محور المقاومة بإبقاء الجبهة مشتعلة بالقدر الكافي لإرباك إسرائيل وردعها عن مغامرات أوسع.
ويبقى السيناريو الثالث، الذي أشار إليه علي مراد، وهو التسوية المؤقتة التي تقوم على تفاهمات غير معلنة بوساطة أميركية أوروبية، تسمح بوقف تدريجي للعمليات وعودة الجيش اللبناني إلى المناطق الحدودية.
إلا أن مراد يرى أن هذا السيناريو يحتاج إلى مظلة سياسية داخلية قادرة على توحيد القرار اللبناني حول إستراتيجية دفاعية متفق عليها، وهو ما يظل غائبا في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية اللبنانية.
ومن منظور أوسع، يوضح ضيوف البرنامج أن مستقبل المواجهة مرهون بعوامل 3، مدى استعداد إسرائيل لتحمل ضغط الجبهة الداخلية في حال توسعت العمليات، وقدرة حزب الله على ضبط إيقاع الردع دون تجاوز حدود الدعم الإيراني، وأخيرا مدى فاعلية التحركات الدبلوماسية في منع تحول لبنان إلى ساحة بديلة من غزة.
المصدر:
الجزيرة