آخر الأخبار

المغرب والجزائر.. جذور الأزمة وسبل المصالحة

شارك

سبق للرئيس الجزائري السيد عبدالمجيد تبون، في عز الأزمة بين الجزائر والرباط، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أغسطس/آب 2021، أن شجب الحاجة لوساطة بين البلدين، وكانت بعض الدول العربية قد انبرت وسيطا لحلحلة الأزمة، وعبّر الملك محمد السادس عن توجه مماثل بدعوة الرئيس الجزائري إلى حوار، بناء على الثقة وحسن الجوار، في خطاب إلى الشعب المغربي بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما أسفر عنه رئيس الدبلوماسية المغربية السيد ناصر بوريطة كذلك بالقول إن العلاقات المغربية الجزائرية لا تحتاج إلى وساطة.

طبعا لا بديل عن الحوار بين البلدين، ولكن الحوار لا يمكن أن يقوم بدون وساطة حينما تكون السبل مغلقة، والعلاقات متوترة. اضطلعت بالوساطة لفترة مصر في الستينيات، ثم موريتانيا، لفترة، والمملكة العربية السعودية منذ اندلاع قضية الصحراء. وعلى خلاف ما قد يتبادر إلى الذهن، فليست قضية الصحراء هي سبب المشكل بين البلدين، وإنما أداة التعبير عنه، أو المشجب الذي تُعلق عليه.

تعود أسباب التوتر إما لخلاف حدودي كالذي نشب سنة 1963، أو للتوجهات الأيديولوجية، أو عدم الثقة. كانت هذه العناصر متفرقة، أو مجتمعة، سبب التوجس بين البلدين، وهو الأمر الذي استطاع قائدا البلدين، الراحل الملك الحسن الثاني، والراحل الهواري بومدين، تجاوزه، لفترة، منذ سنة 1969 من خلال اتفاقية إفران للأخوة والتعاون وحسن الجوار، إلى اتفاقية ترسيم الحدود في يونيو/حزيران 1972 بالرباط، بمناسبة انعقاد مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية. وما لبث الأمر أن عاد إلى سابق عهده من عدم الثقة بعد المحاولة الانقلابية التي قادها الجنرال محمد أفقير في أغسطس/آب 1972، مَن كان موضع ثقة الملك الحسن الثاني.

تُعدُّ مذكرات أول رئيس لموريتانيا المختار ولد دادة، (وهي بالفرنسية وترجمت إلى العربية)، من أهم المراجع لفهم هذه الفترة الحاسمة. يقف ولد دادة عند مرحلة واعدة، حين التقى القادة الثلاثة: الحسن الثاني، وبومدين، وولد دادة (رحمهم الله) في نواذيبو، سنة 1970، من أجل تنسيق الجهود لتحرير ما كان يسمى بـ"الصحراء الإسبانية"، ولكي تكون المنطقة عبارة عن منطقة "رور" مغاربية، ومنطقة الرور بؤرة التصنيع في ألمانيا، بمحاذاة فرنسا.

إعلان

يعزو المختارة ولد دادة اهتزاز الثقة بين القائدين لأسبابٍ عدة، وقد حاول ولد دادة رأب الصدع في لقاء التأم في أكادير سنة 1973، وكان موقف الرئيس بومدين، مما أسر به لولد دادة، أن ليس للملك الحسن ما يقوله له ما لم يصادق على الاتفاقية… كان لقاء أكادير باردا وفاترا، وكان يهيئ لمرحلة الجفاء. كانت القمة العربية التي انعقدت في الرباط، خريف 1974 آخر لقاء بين الملك الحسن الثاني والرئيس بومدين، عبّر فيه الرئيس الجزائري، الهواري بومدين أن لا مطمع للجزائر في الصحراء، وأن الجزائر تبارك الاتفاق بين المغرب وموريتانيا، وغادر الرباط قبل انتهاء القمة، ورأى كثير من الملاحظين في الأمر بوادر أزمة مرتقبة.

تجاوز البلدان التوتر القائم، في آخر مهمة دبلوماسية لرئيس الدبلوماسية الجزائرية حينها عبدالعزيز بوتفليقة في يوليو/تموز 1975، إلى الرباط، ولقائه بالملك الحسن الثاني، للسعي إلى تجاوز المشاكل القائمة بين البلدين في بلاغ مشترك.. كانت هي الفرصة الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة إذا أدخلنا في الاعتبار اللقاء المرتقب بين الراحلين، هواري بومدين والملك الحسن الثاني في بروكسل سنة 1978، والذي لم يتم بسبب المرض الذي ألمّ ببومدين وأدى إلى وفاته. عاد بوتفليقة إلى الجزائر، محملا ببلاغ مشترك لتجاوز الاختلافات بين البلدين، بيد أن ملف العلاقات الثنائية بين البلدين لم يعد شأن القنوات الدبلوماسية، بل الأمن العسكري، وانتقلت الجزائر إلى ما كانت تسميه بمغرب الشعوب.

هذه الخلفية التاريخية، ولو مقتضبة، تظهر بأن جوهر المشكل هو انعدام الثقة. طبقا لذلك لا يمكن استنساخ السياقات، لأن السياق الحالي هو غيره قبل خمسين سنة ونيفٍ، ولكن هناك ثوابت لا تتغير، وهي عمق الوشائج بين الشعب المغربي والشعب الجزائري، أو ما كان يعبر عنه القيادي المغربي، محمد بنسعيد، الذي عاش لفترة في الجزائر، وحمل جواز السفر الجزائري لمّا كان منفيا في فرنسا، هو أن المغرب امتداد للجزائر، كما أن الجزائر امتداد للمغرب. ومن الثوابت أن مصلحة البلدين في تكاملهما وتعاونهما، وأن أي زعزعة لبلد من شأنها أن تؤثر سلبا على الآخر، وأن الغاية الكبرى، التي تجد صدى في وجدان الشعوب المغاربية، هي الاندماج المغاربي، وهو ما نذر له الماهدون من الحركة الوطنية، في كل من تونس، والجزائر، والمغرب جهودهم. يمكن أن نضيف، أنّ أي مواجهة، هي عملية انتحارية. ستزعزع السبائك الاجتماعية القائمة، ولن تنتهي بمنتصر ومنهزم، مهما كانت القوة العسكرية والتحالفات الدولية.

السياق الإقليمي في أفريقيا، وفي العالم العربي، يدفع إلى تصالح البلدين عوض تنافرهما، مما من شأنه أن ينعكس إيجابيا على أفريقيا، بالنظر إلى مؤهلاتها، ويحد من المخاطر التي تتهددها، وكذلك من شأنه أن يمثل عمقا إستراتيجيا للعالم العربي الذي يمر بفترة انتقالية، تتأرجح بين خوف ورجاء.

لم تعد القِوى الدولية تنظر بتوجس لعلاقة طبيعية بين البلدين، وبالأخص الولايات المتحدة التي تسعى في تقارب مغربي جزائري، من منظور إعادة هيكلة المنطقة، من خلال إطفاء فتيل التوتر، ووضع موطئ قدم في منطقة واعدة بمواردها النفيسة ومؤهلاتها البشرية، ولقطع الطريق على منافسيها.

إعلان

لا عيب أن تلتقي مصالح القوى الكبرى، ومصالح دول المنطقة. ويَحسُن بالبلدين أن يكونا فاعلين، وينتهزا السوانح في سياق عالمي متقلب. وليس بعزيز على الذكاء المغاربي أن يجد الصيغة المثلى التي تتحقق فيها وحدة الدول، وتوحيد الشعوب، من دون الإجحاف بحقوق أي كان، أو ما يسمى في الأدبيات المغربية الرسمية لا غالب و لا مغلوب. ولا يمكن بطبيعة الحال ابتسار النتائج، لأن بناء الثقة يندرج في الزمن الطويل، ولكن يستلزم بداية، من دون صخب ولا ضجيج.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا