آخر الأخبار

العريش: سيرة "بوابة مصر الشرقية" التي قد تلعب دوراً في مستقبل غزة

شارك
مصدر الصورة

في خضم النقاشات الدائرة حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار ووضع حد للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، برزت واحدة من النقاط المثيرة للنقاشات: تشكيل مجلس دولي يشرف على إعادة إعمار القطاع بعد ما خلّفه القصف الإسرائيلي المتواصل على مدى العامين الماضيين من دمار واسع في البنية التحتية والمساكن

وبحسب تسريبات دبلوماسية، ستتشكل هذه الإدارة من شخصيات دولية، من بينها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، على أن تتخذ من مدينة العريش المصرية مقراً رئيسياً لأعمالها.

الحديث عن اختيار العريش، المدينة الحدودية الواقعة على تخوم غزة، لم يكن تفصيلاً عابراً، بل أثار موجة من التساؤلات حول دلالاته السياسية والجغرافية: لماذا العريش؟ ما علاقتها بغزة؟ وكيف أصبحت جزءًا من تصورات الحلول الدولية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي؟


*
*

كم تبعد العريش عن قطاع غزة؟

تقع العريش في أقصى الشمال الشرقي لشبه جزيرة سيناء، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. تبعد عن القاهرة بنحو 344 كيلومتراً، فيما تفصلها عن حدود قطاع غزة مسافة تقارب 45 كيلومتراً فقط. هذا الموقع يجعلها أقرب المدن المصرية الكبرى إلى القطاع، بجانب كونها بوابة استراتيجية على حدود مصر الشرقية.

كم يبلغ عدد سكان العريش وما مساحتها؟

يقدَّر عدد سكان العريش اليوم بحوالي 200 ألف نسمة، موزعين بين قبائل بدوية قديمة وسكان حضر وفدوا من محافظات مصرية أخرى. تبلغ مساحتها نحو 308 كيلومترات مربعة، ما يمنحها طابع المدينة الكبيرة التي تجمع بين البحر والصحراء.

مصدر الصورة

ما هو تاريخ مدينة العريش؟

تقع مدينة العريش على ساحل البحر المتوسط في أقصى شمال شرق مصر، وقد لعبت عبر التاريخ دور "بوابة مصر الشرقية" التي ربطت وادي النيل ببلاد الشام، ما جعلها نقطة مرور أساسية للجيوش والتجارة على مر العصور.

في العصور القديمة، مرّت منها القوافل والجيوش على ما كان يُعرف بـ"طريق حورس"، ذلك الطريق التجاري والعسكري الذي ربط مصر بالشرق. كل غازٍ أو تاجر أو مسافر قادم من الشرق صوب مصر كان لا بد أن يعبر العريش، لتصبح المدينة محطة لا يمكن تجاهلها في تاريخ المنطقة.

ومع دخولها تحت الحكم العثماني، أدرك السلاطين أهمية هذا الموقع، فشيدوا في منتصف القرن السادس عشر قلعة العريش، التي مثّلت حصنًا حجريًا يقف على تلة قريبة من البحر لحماية حدود مصر من أي تهديد قادم من الشرق. وظلت القلعة شاهدًا على صراعات وجيوش مرّت من هنا.

مصدر الصورة

ما هي معاهدة العريش؟

في مطلع عام 1800، تحولت مدينة العريش إلى مسرح لمفاوضات دولية خلال واحدة من أكثر المراحل المضطربة في تاريخ مصر الحديث.

فخلال الحملة الفرنسية على مصر، التي بدأت مع منذ نزول نابليون بونابرت على شواطئ الإسكندرية عام 1798، وجد الفرنسيون أنفسهم محاصرين بين مقاومة المصريين من الداخل وضغط القوات العثمانية والإنجليزية من الخارج.

في هذا السياق، جلس ممثلو الدولة العثمانية والقادة الفرنسيون حول طاولة التفاوض في العريش، وخرجوا باتفاق يقضي بانسحاب القوات الفرنسية من مصر وعودتها إلى بلادها عبر البحر المتوسط، لتعود مصر رسمياً إلى الحكم العثماني.

لكن ما بدا وكأنه نهاية سلمية لم يكتمل، إذ رفضت بريطانيا – التي لم تكن طرفاً مباشراً في المفاوضات – الاعتراف بالاتفاق، ما أدى إلى استئناف القتال. وبعد عام واحد فقط، أُجبر الفرنسيون على الاستسلام في القاهرة، ورحل آخر جندي فرنسي عن مصر عام 1801.

وهكذا بقيت معاهدة العريش شاهدًا على أول محاولة سياسية جادة لإنهاء الاحتلال الفرنسي لمصر، وعلى الدور المحوري الذي لعبته المدينة بوصفها بوابة الشرق المصري وبقعة جغرافية لا يُمكن تجاهلها في لحظات التحول الكبرى.

ما بعد هزيمة 1967

في القرن العشرين، تحولت العريش من مجرد مدينة حدودية هادئة إلى رمز وطني مصري. فقد دفعت ثمن موقعها الاستراتيجي غالياً، إذ وجدت نفسها في قلب الحروب العربية–الإسرائيلية المتعاقبة. فبعد هزيمة 1967، وقعت العريش تحت الاحتلال الإسرائيلي، لتصبح شاهدة على واحدة من أصعب فترات التاريخ المصري الحديث.

تحوّلت شوارعها إلى مواقع عسكرية، وغادر بعض السكان إلى الداخل المصري، بينما بقي آخرون في المدينة محافظين على حياتهم اليومية وهويتهم.

لكن مع حرب أكتوبر 1973، عادت أنظار المصريين إلى سيناء بأكملها، وكانت العريش من أولى المدن التي ترمز للأمل بالتحرير. وبعد مفاوضات شاقة واتفاقية كامب ديفيد عام 1978، تلاها توقيع اتفاقية السلام المصرية–الإسرائيلية عام 1979، استعادت مصر سيادتها على العريش، لتكون أول مدينة كبرى في شمال سيناء تعود إلى الدولة المصرية.

مصدر الصورة

التنظيمات المتشددة والحصار الأمني

منذ ثورة يناير 2011، دخلت مدينة العريش في مرحلة مختلفة عن تاريخها السابق. فقد استغلت جماعات مسلحة حالة الفراغ الأمني وبدأت في التمدد داخل شمال سيناء، لتتحول العريش سريعًا إلى ساحة مواجهة بين الدولة المصرية والتنظيمات المتشددة.

في البداية برزت جماعة أنصار بيت المقدس، التي استهدفت مقار الشرطة ونقاط التفتيش، ثم أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية تحت مسمى "ولاية سيناء". منذ ذلك الحين تصاعدت العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة وحتى المدنيين.

وشهدت العريش وضواحيها سلسلة من الهجمات الدامية، بينها تفجير فندق القضاء عام 2015، وهجمات متكررة على الكمائن الأمنية، وصولًا إلى مجزرة مسجد الروضة عام 2017 التي قُتل فيها أكثر من 300 شخص.

ردًا على ذلك، شنت السلطات المصرية سلسلة من العمليات العسكرية، أبرزها عملية "حق الشهيد" عام 2015، ثم العملية الشاملة عام 2018 التي استهدفت معاقل المسلحين في سيناء. هذه الإجراءات رافقها فرض تدابير أمنية صارمة في العريش، شملت نقاط تفتيش متكررة، وحظرًا للتجوال في بعض الفترات، وقطع الاتصالات والإنترنت أحيانًا.

لكن على الجانب الآخر، عانى سكان المدينة من تداعيات هذه الحرب الطويلة. فالتنمية الاقتصادية بقيت محدودة، واشتكى الأهالي من القيود المفروضة على الحركة، بينما قالت منظمات حقوقية محلية ودولية إن السلطات استخدمت العريش كمركز احتجاز غير رسمي في بعض الفترات.

ورغم النجاحات العسكرية التي أضعفت تنظيم "ولاية سيناء" خلال السنوات الأخيرة، فإن العريش ما زالت حاضرة في نشرات الأخبار، باعتبارها خط المواجهة الأول مع الجماعات المسلحة، وفي الوقت نفسه مدينة حدودية محورية في أي نقاش يتعلق بمستقبل قطاع غزة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب اسرائيل حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا