أكدت صحيفة لوموند أن عدد المواليد في فرنسا بلغ أدنى مستوى له منذ عام 1945، مبرزة أن هذا الانخفاض بات مجالا للمعارك السياسية، لكن أسبابه الحقيقية أكثر تعقيدا.
وقالت الصحيفة، في تقرير لنوا موسى، إن البلاد سجلت في 2024، ولادة 663 ألف طفل فقط، أي أقل بنسبة 21.5% من آخر نسبة سجلت في عام 2010.
ونقلت عن كاثرين سكورنت، أستاذة محاضرة في علم الاجتماع والديمغرافيا في جامعة إيكس-مرسيليا قولها إن هذا التراجع "يوحي بشعور من التدهور والفشل، ويرتبط بفقدان الحركية المجتمعية لأن قطاعات كاملة من الاقتصاد ستتأثر بانخفاض القوة العاملة".
وتابعت أن هناك أفكارا شائعة يحاول أصحابها تفسير تراجع نسبة المواليد في البلاد، ومن بينها فكرة أن "الشباب لا يريدون إنجاب الأطفال".
وقالت إن المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية أكد في دراسة نشرت في يوليو/تموز أن الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما يريدون أطفالا أقل من النسبة التي كانت تسجل سابقا.
وانخفض متوسط عدد الأطفال الذين ترغب النساء في هذه الفئة العمرية في إنجابهم من 2.5 إلى 1.9 في غضون 20 عاما تقريبا. وبالنسبة للرجال، كان الانخفاض مماثلا، حيث انخفض العدد المطلوب من 2.3 إلى 1.8 طفل.
غير أن الكاتبة تشدد على أن فكرة أن انخفاض معدل المواليد يرجع أساسا إلى عدم رغبة الشباب فقط في الإنجاب هي فكرة خاطئة، فجميع الفئات العمرية معنية بهذا الأمر، وبمختلف المستويات الدراسية.
إحصاء أجري في 2023، أثبت تعرض 27% من النساء للتمييز في العمل بسبب حملهن أو إجازة الأمومة. وتكون أمهات الأطفال الصغار أكثر عرضة للتمييز بمقدار الضعف مقارنة بغيرهن من الموظفات
وتابعت الصحيفة أن الأرقام توضح أن 72% من النساء يمارسن عملا مدفوع الأجر في 2024، وذكرت أن هذا لا يعني أنهن يفضلن حياتهن المهنية عن طيب خاطر، فالمشكلة بالنسبة لهن أنهن يجدن صعوبة في التوفيق بين الحياة الأسرية والحياة المهنية.
ونقلت عن دراسة أجريت عام 2022 أن واحدة من كل 3 نساء أكدت أن "إعطاء الأولوية لحياتها الأسرية يشكل تهديدا لحياتها المهنية"، وبالتالي، يصبح إنجاب الأطفال مخاطرة في هذه الحالة.
وذكرت أن إحصاء أجري في 2023، أثبت تعرض 27% من النساء للتمييز في العمل بسبب حملهن أو إجازة الأمومة. وتكون أمهات الأطفال الصغار أكثر عرضة للتمييز بمقدار الضعف مقارنة بغيرهن من الموظفات.
يضاف إلى ذلك الصعوبة المستمرة في الحصول على خدمات رعاية الأطفال -تتابع لوموند- إذ في ظل عدم وجود حل، تتم رعاية طفل واحد من كل 5 أطفال دون سن الثالثة من قبل والديه، وغالبا ما تكون الأم، التي تضطر إلى تقليل ساعات عملها أو التوقف عن العمل، وفقا للمجلس الأعلى للأسرة والطفولة والشيخوخة.
العبء الاقتصادي الذي يتحمله الآباء يمكن أن يساهم في انخفاض معدل المواليد، فقد ارتفعت تكلفة رعاية الأطفال بشكل كبير خلال الـ20 عاما الماضية
وذكرت الكاتبة أن الإعانات العائلية لم تعد سخية كما في السابق، علما أن فرنسا من أكثر الدول التي تكرس ميزانية كبيرة لهذا المجال.
وأوضحت أن الرئيس السابق فرانسوا هولاند سعى خلال فترة ولايته التي استمرت 5 سنوات (2012-2017)، إلى تغيير السياسة العائلية الفرنسية من أجل تقييد المزايا الضريبية للأسر الأكثر ثراء.
وقالت إن العبء الاقتصادي الذي يتحمله الآباء يمكن أن يساهم في انخفاض معدل المواليد، فقد ارتفعت تكلفة رعاية الأطفال بشكل كبير خلال الـ20 عاما الماضية.
وضربت مثلا بارتفاع تكلفة خدمات المربية من 510 يوروهات في المتوسط عام 2007 إلى أكثر من 700 يورو اليوم، وفقا لإدارة البحث والدراسات والتقييم والإحصاء.
وشرحت نوا موسى أنه يُنظر داخل الاتحاد الأوروبي إلى الهجرة على أنها أحد الحلول للانخفاض السكاني الذي تواجهه المجتمعات المتقدمة في السن في العديد من الدول الأعضاء.
وتابعت أن عدد السكان في فرنسا استمر في الارتفاع بنسبة 0.25% بين عامي 2023 و2024، بفضل الهجرة.
وذكرت أن نسبة الأطفال المولودين من أبوين فرنسيين انخفضت بنسبة 14% خلال 23 عاما، في المقابل ارتفع عدد الأطفال من أصول مهاجرة.
وأوضحت أن هذا التطور لا ينظر إليه بعين الرضا من طرف تيارات اليمين التي لا تنفك تستغله في خطابها السياسي.